للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى تقدير صحته، ففي الجواب عنه وجهان: أحدهما: أنَّ النَّبيَّ لم يعلِّم أصحابه التيمم على هذه الصفة، وإنَّما فعلوه عند نزول الآية لظنهم أنَّ اليد المطلقة تشمل الكفين والذراعين والمنكبين والعضدين، ففعلوا ذلك احتياطاً كما تمعّك عمارٌ بالأرض للجنابة، وظنّ أنَّ تيمم الجنب يعم البدن كله كالغسل ثم بَيّنَ النَّبيُّ التيمم بفعله وقوله: «التيمم للوجه والكفين»، فرجع الصحابة كلهم إلى بيانه ومنهم عمارٌ راوي الحديث، فإنَّه أفتى أنَّ التيمم ضربة للوجه والكفين كما رواه حصين، عن أبي مالك، عنه كما سبق، وهذا الجواب ذكره إسحاق بن راهويه وغيره من الأئمة.

والثاني: ما قاله الشافعيُّ: وأنَّه إن كان ذلك بأمر رسول الله فهو منسوخ؛ لأنَّ عماراً أخبر أنَّ هذا أول تيمم كان حين نزلتْ آية التيمم، فكل تيمم كان للنَّبيِّ (١) بعده مخالف له فهو له ناسخ، وكذا ذكر أبو بكر الأثرم (٢) وغيره من العلماء.

وقد حكى غير واحد من العلماء عن الزهريِّ، أنَّه كان يذهب إلى هذا الحديث الذي رواه، وروي عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد، عن قتادة أنَّ الزهريَّ قال: التيمم إلى الآباط. قال سعيد: ولا يعجبنا هذا.

قلت - القائل ابن رجب -: قد سبق عن الزهريِّ أنَّه أنكر هذا القول، وأخبر أنَّ الناس لا يعتبرون به، فالظاهر أنَّه رجع عنه لما علم إجماع العلماء على مخالفته، والله أعلم» انتهى.

وحاصل ما تقدم يتلخص لنا من إعلال هذا الحديث أنَّ الوهم قد يكون طرأ للزهري من حديث الإفك، والله أعلم.

والحديث الثابت في صفة التيمم هو ما أخرجه: البخاري ١/ ٩٢ - ٩٣ (٣٣٨)، ومسلم ١/ ١٩٣ (٣٦٨) (١١٢) من طريق شعبة، عن ذر، عن سعيد بن


(١) في المطبوع: «النبي» خطأ، والتصويب من طبعة طارق بن عوض الله.
(٢) تقدم كلامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>