وفصله بينهم (١).
الثالث: أن القول بذلك يلزم منه لوازم باطلة، منها: القول باستمرار التشريع، وأن يخلو القبر من جسده - صلى الله عليه وسلم - فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب، وأن يكون من رآه صحابيًّا وغيرها (٢).
الرابع: أن القائلين بذلك اضطربوا في رؤيته - صلى الله عليه وسلم - هل هي رؤية لذاته على الحقيقة أو رؤية مثال لها، وهل تكون بالقلب أو بالبصر (٣)، وهذا الاضطراب كاف لرد القول بجواز رؤيته - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته يقظه؛ إذ الرؤية أمر محسوس والاختلاف فيها على هذا الوجه يدل على عدم تحققها.
الخامس: أن القائلين بذلك - ومنهم ابن حجر- لم يذكروا على قولهم هذا دليلًا يُعتمد عليه، وما ذكره ابن حجر أمران:
١ - حديث: "من رآني في المنام، فسيراني في اليقظة":
والحديث أخرجه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن محمد بن شهاب الزهري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به (٤).
والجواب عنه من وجهين:
أ- أن أهل العلم اختلفوا في المراد بالحديث على أقوال (٥)، أصحها أن المراد به التشبيه والتمثيل، ويدل لذلك روايات الحديث الأخرى فقد رواه بقية أصحاب الزهري بلفظ: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة، لا يتمثل الشيطان بي" (٦).
ب - أن حمل الحديث على رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته وإن كان أحد
(١) انظر: مجموع الفتاوى (٧/ ٣٩٢ - ٣٩٣).
(٢) انظر: فتح الباري (١٢/ ٤٠١ - ٤٠٢).
(٣) انظر: أقوالهم في الحاوي (٢/ ٢٦٣).
(٤) انظر: صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب من رأي النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام (٤/ ٢١٩٠) برقم (٦٩٩٣).
(٥) انظر: شرح صحيح مسلم (١٥/ ٢٤)، فتح الباري (١٢/ ٣٨٥).
(٦) أخرجها مسلم، كتاب الرؤيا، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام: "من رآني في المنام فقد رآني" (٤/ ١٧٧٥) برقم (٢٢٦٦).