للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجذع، والدواب، ونبع الماء، بل قيل: لعله لم يتحد بغير القرآن، وتمني الموت، وزعم أنه لا معجزة إلا هذان أقرب إلى الكفر منه إلى البدعة.

فالحق أن المراد بالتحدي ليس معناه الأصلي بل المراد به دعوى الرسالة وكل معجزاته مقارنة لذلك ...

ثالثها: دلالتها على صدق المتحدي، فخرج الخارق المكذب له، كأن قال: آيتي نطق هذه الدابة، فنطقت بكذبه" (١).

التقويم:

المعجزة في اللغة: مأخوذة من العجز.

قال ابن فارس: "العين والجيم والزاء، أصلان صحيحان، يدل أحدهما على الضعف، والآخر على مؤخر الشيء.

فالأول: عَجَزَ عن الشيء يَعْجِزُ عجزًا، فهو عاجزٌ، أي: ضعيف ... وأما الآخر: فالعجز: مؤخر الشيء، والجمع أعجاز ... " (٢).

وأما في الاصطلاح: فإن لفظ (المعجزة) لم يرد في الكتاب والسنة، ولم يكن السلف الأوائل يستعملونه بمعناه الاصطلاحي الذي تعارف عليه من بعدهم، وإنما الوارد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمتعارف عليه عند السلف الأوائل إطلاق لفظ (الآية) و (البينة) و (البرهان).

قال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد: ٣٨]، وقال عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد: ٢٥]، وقال جل وعلا: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القصص: ٣٢].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء، كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات، ولهذا لم يكن لفظ


(١) المنح المكية (١/ ٢٣١ - ٢٣٢)، وانظر: أشرف الوسائل (ص ٢٤٤)، فتح المبين (ص ٢١)، الفتاوى الحديثية (ص ٤٠٤)، التعرف (ص ١١٦)، الإعلام بقواطع الإسلام (ص ٣١٦)، العمدة شرح البردة (ص ٦١٢).
(٢) معجم مقاييس اللغة (ص ٧٣٨ - ٧٣٩)، وانظر: تهذيب اللغة (٣/ ٢٣٣٧)، الصحاح (٣/ ٨٨٣)، لسان العرب (٥/ ٣٦٩)، القاموس المحيط (ص ٦٦٣).

<<  <   >  >>