للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي ذلك إغفال شديد، كلام الله تبارك وتعالى إيجاز، ولو كان كما قال القائل لكان: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (١) يغني عن ذكر ذلك كله، فلا فرق بين ما مات حتف أنفه، وبين ما مات من هذه الأشياء وغيرها؛ لأن الميؤوس من حياته من هذه الأشياء حكمه حكم الميتة (٢)،


(١) [سورة المائدة: الآية ٣]
(٢) ذكر هذا الاعتراض ابن جرير وأجاب عنه حيث قال: وإذ كان الأمر على ما وصفنا فكل ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه ومفارقة روحه جسده فحلال أكله إذا كان مما أحله الله لعباده.

فإن قال لنا قائل: فإذا كان ذلك معناه عندك فما وجه تكريره ما كرر بقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ} وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية، وقد افتتح الآية بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقد علمت أن قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} شامل كل ميتة كان موته حتف أنفه من علة به من غير جناية أحد عليه، أو كان موته من ضرب ضارب إياه، أو انخناق منه، أو انتطاح، أو فرس سبع، وهلا كان قوله - إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك من أنه معني بالتحريم في كل ذلك: الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك، دون أن يكون معنياً به تحريمه إذا تردى أو انخنق أو فرسه السبع فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة - {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} مغنياً من تكرير ما كرر بقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} وسائر ما ذكر مع ذلك وتعداده ما عدد؟ قيل: وجه تكراره ذلك وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف وقد تقدم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أن الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا ... لا يعدون الميتة من الحيوان إلا ما مات من علة عارضة به غير الانخناق والتردي والانتطاح وفرس السبع، فأعلمهم الله أن حكم ذلك حكم ما مات من العلل العارضة، وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها، ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أحلَّ ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به.
[جامع البيان: ٦/ ٧٤].
* لوحة: ١١٤/ب.

<<  <   >  >>