للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن التائب من الشرك والكبائر مغفور له، وغير التائب منها غير مغفور له، فما الفرق الذي أوجبته الآية بين الشرك وسائر الكبائر؟ وهم قوم أعمى الله قلوبهم، وأصمهم *، وأعمى أبصارهم، وأغنى عن الحجة عليهم، وينبغي للعبد أن يكون خائفاً راجياً، مقدماً للتوبة والندم (١).


(١) قال ابن تيمية مبيناً مكانة أهل السنة والجماعة: هم الوسط في فرق الأمة، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم. فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي باب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الرافضة والخوارج.
قال الشيخ الفوزان شارحاً بعض كلامه: (في باب وعيد الله). الوعيد: التخويف والتهديد، والمراد هنا النصوص التي فيه توعد للعصاة بالعذاب والنكال. وقوله: (بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم) المرجئة: نسبة إلى الإرجاء وهو التأخير، سموا بذلك لأنهم أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم أن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان غير معرض للوعيد، فهم تساهلوا في الحكم على العاصي وأفرطوا في التساهل حتى زعموا أن المعاصي لا تنقص الإيمان ولا يحكم على مرتكب الكبيرة بالفسق.
وأما الوعيدية: فهم الذين قالوا بإنفاذ الوعيد على العاصي، وشددوا في ذلك حتى قالوا: إن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار، وحكموا بخروجه من الإيمان في الدنيا.

وأهل السنة والجماعة توسطوا بين الطرفين فقالوا: إن مرتكب الكبيرة آثم ومعرض للوعيد وناقص الإيمان ويحكم عليه بالفسق - لا كما تقول المرجئة إنه كامل الإيمان وغير معرض للوعيد - ولكنه لا يخرج من الإيمان ولا يخلد في النار إن دخلها، فهو تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر معصيته، ثم يخرج من النار ويدخل الجنة - لا كما تقوله الوعيدية بخروجه من الإيمان وتخليده في النار - فالمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، والوعيدية أخذوا بنصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة جمعوا بينهما. [شرح العقيدة الواسطية: ١٢٤].
وانظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي: ٦/ ١٠٥٩ - ١٠٨٣، وتفسير ابن كثير: ... ١/ ٥٠٨ - ٥١١، فقد ذكرا كثيراً من النصوص الدالة على هذا المعنى.

<<  <   >  >>