للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجمّ الغفير بل شمل الجماهير من القصور عن ملاحظة ذروة هذا الأمر والجهل بأن الأمر إد والخطب جد والآخرة مقبلة والدنيا مدبرة والأجل قريب والسفر بعيد والزاد طفيف والخطر عظيم والطريق سد وما سوى الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير رد، وسلوك طريق الآخرة مع كثرة الغوائل من غير دليل ولا رفيق متعب ومكد، فأدلةُ الطريق هم العلماء الذي هم ورثة الأنبياء وقد شغر منهم الزمان ولم يبقَ إلّا المترسمون وقد استحوذ على أكثرهم الشيطان واستغواهم الطغيان وأصبح كل واحد بعاجل حظه مشغوفاً فصار يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً، حتى ظلّ علم الدين مندرساً ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمساً ولقد خيلوا إلى الخلق أن لا علم إلّا فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام أو جدل يتدرع به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام أو سجع مزخرف يتوسل به الواعظ إلى استدراج العوام إذْ لم يروا ما سوى هذه الثلاثة مصيدة للحرام وشبكة للحطام.

فأما علم طريق الآخرة وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في كتابه فقهاً وحكمة وعلماً وضياء ونوراً وهداية ورشداً فقد أصبح من بين الخلق مطويّاً وصار نسياً منسياً" (١).

فالمنعطف الأول في تراجع الحج اليوم عن موقعه الريادي في قمة العبادات الجماعية الفاعلة يعود إلى تسخيره لخدمة دنيانا التي خسرناها على مستوى الأمة مجتمعة بعد أن ضحينا بآخرتنا في سبيل عرضٍ زائل لا يدوم.

بيد أنّ أسباباً أُخرى في رأيي عملت مجتمعة مع هذا الذي سبق ذكره على إفساد ما


(١) "إحياء علوم الدين" للعلامة حجة الإسلام أبو حامد محمد الغزالي ج ١ ص ٣.

<<  <   >  >>