للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلامُ مالكٍ ونهيُهُ هو لجميعِ علمِ الكلامِ في الغيبيَّاتِ؛ كالأسماءِ والصفاتِ والقَدَرِ؛ قليلِهِ وكثيرِهِ؛ سواءٌ ما كان عند الفلاسِفةِ وغُلَاةِ المتكلِّمينَ؛ كالمعتزِلةِ، أو كالذي يَتخِذُهُ الأشاعِرةُ والماتُرِيديَّةُ، يَرُدُّونَ به على غلاةِ المتكلِّمينَ والزنادقةِ، ثم يقرِّرونَ به الحَقِّ لأهلِ الحَقّ؛ فهو ينهى عن ذلك كلِّه، وقد قال مالك: "أهلُ البدعِ الذين يتكلَّمونَ في أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ، وكلامِهِ وعلمِهِ وقدرتِهِ، ولا يسكُتُونَ عمَّا سكَتَ عنه الصحابةُ والتابِعونَ لهم بإحسان".

فهو يَرَى أنَّ كلَّ قَدْرٍ زائدٍ يؤدِّيه الكلامُ عمَّا كان عليه الصَّدْرُ الأوَّلُ؛ صحابةً وتابعينَ -: فهو بِدْعة، مع علمِهِ بما اتخَذَهُ بعضُ شيوخِهِ وتلامذتِهِ لردِّ الباطِلِ، لا لتقريرِ الحق، وهذا الذي يَتفِقُ عليه مَن بعدَهُ؛ كالشافعيِّ، وأحمَدَ.

وقد فَهِمَ مِن نهي مالك عن علمِ الكلامِ العمومَ بلا استثناءٍ: جماعةٌ؛ كالغزاليِّ في "الإحياء" (١)، بل جعَلَه قولَ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد.

وقد كان أبو حنيفةَ مِن أهلِ الرأيِ في الفقهِ، وينهى عن الكلامِ في الغيبيَّاتِ، ويشدِّدُ فيه، ويقولُ: "لعَنَ اللهُ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ؛ فإنَّه فتَحَ للناسِ الطريقَ إلى الكلامِ فيما لا يَعْنِيهِمْ مِن الكلامِ" (٢)، وقد كان ينهى أصحابَهُ عنه؛ كما قال محمَّد بن الحسَنِ: "كان أبو حَنِيفَةَ يَحُثُّنَا على الفقه، وينهانا عن الكلامِ" (٣).

وكان الأئمَّةُ ممَّن سبَقَ مالكًا ومَن في طبقتِهِ ومَن جاء بعدَهُم:


(١) "الإحياء" (١/ ٩٤ - ٩٥).
(٢) "ذم الكلام" (١٠٢٠).
(٣) الموضع السابق.

<<  <   >  >>