اختلافُ الناسِ ما قام الجهادُ ولا قام الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، ولم يكن فائدةٌ في خَلْقِ الجنةِ والنارِ، إلى غيرِ ذلك.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثباتُ الرحمةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لقولِهِ:{فِي رَحْمَتِهِ} واعلمْ أن الرحمةَ نوعان: مخلوقةٌ، وغيرُ مخلوقةٍ. أما غيرُ المخلوقةِ: فهي رحمةُ اللهِ التي هي وصفُهُ؛ لأنَّ جميعَ صفاتِ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ. وأما المخلوقةُ: فهي الرحمةُ التي هي من آثارِ رحمةِ اللهِ التي هي وصْفُهُ. فالمخلوقةُ الشيءُ البائنُ عن اللهِ الذي كان من آثارِ رحمتِهِ التي هي وصفُهُ؛ قال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[آل عمران: ١٠٧]، هذه مخلوقةٌ، و (في) للظرفيَّةِ، ولا يُمْكِنُ أن تكون رحمةُ اللهِ التي هي وصفُهُ ظرفًا لهؤلاء الذين آمنوا؛ إذن {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ}؛ أي: المخلوقةُ، والرحمةُ المخلوقةُ هي الجنَّةُ؛ لقولِهِ تعالى للجنَّةِ:"أنتِ رحمتي أَرْحَمُ بكِ من أشاءُ"(١)، وقولُهُ:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}[الكهف: ٥٨]، المرادُ بالرحمةِ هنا الصفةُ. إذن؛ من صفاتِ اللهِ تعالى الرحمةُ.
والعَجَبُ من قومٍ يَدَّعُونَ أنهم مُنَزِّهُونَ للهِ يقولون: إن اللهَ لا يُوصَفُ بالرحمةِ - نسألُ اللهَ ألَّا يُزيغَ قلوبَنَا - يقولون: إن اللهَ ما يُوصَفُ بالرحمةِ؛ لأنَّ الرحمةَ انفعالٌ وانكسارٌ كما ترَحَّمَ الصبيُّ تَرَحُّمَ اليتيمِ، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُنَزَّهٌ عن ذلك، ماذا نفعلُ في الآياتِ التي لا تُحْصَى المُثْبِتَةِ لرحمةِ اللهِ؟ قالوا: فَسَّرَ الرحمةَ بالإنعامِ، فيفسرونها بالرحمةِ المخلوقةِ، أو فَسَّرَ الرحمةَ بإرادةِ الإنعامِ فيفسرونها بالإرادةِ، وهؤلاء الأشاعرةُ؛ لأنَّهم يُقِرُّونَ بالإرادةِ على أنها صفةٌ للهِ، وسبحانَ اللهِ حُجَّتُهُم في هذا يقولُ: الإرادةُ
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: ٣٠]، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (٢٨٤٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.