يقولون: الإنسانُ له إرادةٌ واختيارٌ، ويُفَرِّقُ بَيْنَ الفعلِ الإختياريِّ والفعلِ الإجباريِّ ولا شكَّ، الإنسانُ يقومُ وَيقْعُدُ، ويأكلُ ويشربُ، وينامُ ويستيقظُ، كلُّ ذلك لا يَشْعُرُ أنَّ أحدًا يُجْبِرُهُ عليه، ولكنْ مع ذلك هذا الفعلُ وهذه الإرادةُ مخلوقةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ لأنَّ الإنسانَ نفْسَه مخلوقٌ للهِ، فإراداتُهُ التي تكونُ في نفْسِهِ، وأفعالُهُ التي تَكُونُ في جوارحِهِ تكونُ مخلوقةً؛ لأنَّ أوصافَ المخلوقِ وأفعالَ المخلوقِ هي مخلوقةٌ، كما أن أوصافَ الخالقِ غيرُ مخلوقةٍ؛ ولهذا نقولُ: القرآنُ غيرُ مخلوقٍ؛ لأنَّه كلامُ اللهِ.
إذن الآيةُ الكريمةُ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}[الشورى: ٨]، تَرُدُّ على القدريةِ الذين يقولون: إن الإنسانَ مستقلٌّ بعمَلِهِ، على رأيِهِم لا يستطيعُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أن يَهْدِيَ الناسَ جميعًا، أو يُضِلَّهُمْ جميعًا.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن من حكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن يَنْقَسِمَ الناسُ إلى مؤمنٍ وكافرٍ، من قولِهِ:{وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ}[الشورى: ٨]، لأنه لا يُمْكِنُ أن يَظْهَرَ أثرُ الرحمةِ إلا إذا انقسمَ الناسُ إلى مرحومٍ وغير مرحوم، فكان من حكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن اختلفَ الناسُ، ونحن نَعْلَمُ لولا اختلافُ الناسِ لم يَتَمَيَّزْ مؤمنٌ من كافرٍ، لولا