للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُكَالمةً صريحةً ولكن من وراءِ حجابٍ، والحجابُ المذكورُ هو النُّورُ كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ: "حجابُهُ النُّورُ لو كَشَفَه لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِه ما انتهى إليه بَصَرُه من خَلْقِه" (١)؛ وذلك لأنَّ البَشَرَ لا يستطيعُ رؤيةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في الدُّنيا.

وبعضُ المفَسِّرين قالوا: مُنَوِّرُ السَّمواتِ والأرضِ؛ لكنَّه خلافُ ظاهِرِ الآيةِ فيقالُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النُّورِ: ٣٥]، وليس هو النُّورَ المخلوقَ بل هو عَزَّ وَجَلَّ نورٌ وكلامُهُ نورٌ وحجابُهُ نورٌ.

قال موسى لربِّه عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} قال ذلك شوقًا ومحبَّةً، فقال اللهُ تعالى: {لَنْ تَرَانِي} أي: لن تستطيعَ ذلك {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} فنظر موسى إلى الجبلِ، فلما تَجَلَّى اللهُ له جَعَلَه دكًّا انْدَكَّ حتَّى ساوى الأرْضَ، فلمَّا رأى موسى هذا خَرَّ صَعِقًا؛ أي: غُشِيَ عليه من هَوْلِ ما وَجَدَ وعَدَمِ تَحَمُّلِه {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعرافِ: ١٤٣]، فإذن إذا أرادَ اللهُ أن يُكَلِّمَ أحدًا من الرسُلِ فلا بدَّ أن يَكُونَ هناك حِجابٌ.

القِسْمُ الثَّالثُ: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشُّورَى: ٥١] وهو جبريلُ يُرْسِلُه إلى المُرْسَلِ إليه فيوحِي إلى هذا الرَّسولِ بإذنِ اللهِ تعالى ما يشاءُ، وإنَّما خَصَّصْناه بجبريلَ؛ لأنَّ جبريلَ موكَّلٌ بالوحْيِ وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ يَسْتَفْتِحُ في صلاةِ اللَّيلِ بهذا الإستفتاحِ: "اللهمَّ رَبَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ، عالِمَ الغيْبِ والشَّهادةِ، أنت تَحْكُمُ بين عبادِكَ فيما كانوا فيه يختلفون، اهْدِني لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإِذْنِكَ، إنَّك تَهْدِي من تشاءُ


(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينام"، رقم (١٧٩)، من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>