وهنا يقولُ الله تعالى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} يعني: غَيْرُ مُغالين فيه، ولا مُقَصِّرِينَ. {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} اجتمعوا عليه.
وقوله:{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{كَبُرَ} بمعنى: عَظُمَ]، واشتدَّ عليهم، {عَلَى الْمُشْرِكِينَ} يعني: باللهِ، ما تدعوهم إليه من التوحيدِ؛ لأنَّ المُشركَ ما يَكْبُرُ عَلَيْهِ هو التوحيدُ، أَكْبَرُ شيءٍ عنده هو التوحيدُ، يعني: أكبرُ شيءٍ يشقُّ عَلَيْهِ هو التوحيدُ، ولهذا قالوا في الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: ٦] انظرْ صَبَّرُوا أنْفَسَهم على الشِّرْكِ - والعياذَ باللهِ - وقالوا في التوحيدِ:{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}؛ أيْ: عجيبٌ جدًّا، والشيءُ العُجابُ حقيقةً هو إشراكُهُم باللهِ عَزَّ وَجَلَّ الذي يُقِرُّونَ هم أنه خالِقُهُم، ولا خالقَ سواه.
من هنا نَأْخُذُ أن المشركين يَعْظُمُ عليهم التوحيدُ، وأقولُ لكم: إذا كان يَعْظُمُ عليهم التوحيدُ فلا بدَّ أن يفعلوا كلَّ سببٍ يَحُولُ بَيْنَ هذا التوحيدِ وقيامِهِ وانتشارِهِ، فكلُّ شيءٍ عظيمٌ عليك لا بدَّ أن تدافعَ عنه، فهم الآن حربٌ على التوحيدِ وأهْلِه.
ولهذا تَسْمَعُ الآن مُخططاتِ النصارى - على ما في ديانتِهم التي هم عليها من الضلالِ والمخالفةِ للمعقولِ والمحسوسِ -، تَجِدُهُم يَبُثُّون الإذاعاتِ القويَّةَ التي ليس فيها تشويشٌ، والتي تأتي في أوقاتٍ مناسبةٍ للدعوةِ إلى الدِّينِ الذي هم عليه، ما أقولُ إلى دينِ المسيحِ، فالمسيحُ بريءٌ منه، لكن إلى الدِّينِ الذي هم عليه، تَجِدُ بعضَ أهلِ البدعِ يَكْبُرُ عليهم جدًّا من يدعو إلى السُّنَّةِ، ويُحاربون من يدعو إلى السُّنَّةِ، ويُشَوِّهُونَ السُّمْعَةَ؛ لأنَّه عظيمٌ عليهم، فهنا يقول:{كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}.