للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرةِ: ٢١٣].

لكن في عَهْدِ آدَمَ لا اختلافَ، فالعددُ قليلٌ، وليس هناك مُغْرِيَاتٌ، ولا أشياءَ تُوجِبُ أن يختلفَ الناسُ، فلذلك كان آدمُ يَتَعَبَّدُ للهِ تعالى بشريعَتِه التي شَرَعَهَا اللهُ لهم، أبناؤُهُ يَتَّبِعُونه، لمَّا كَثُروا وانتشروا واختلفوا، حينئذٍ جاءتِ الحاجةُ، بل الضرورةُ إلى الرُّسُلِ. إذن الأولى أن نقولَ هو أوَّلُ رُسلِ الشريعةِ؛ لأنَّ أَوَّلَ أنبياءِ الشريعةِ من آدمَ.

وقوله: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يعني: وشَرَعَ لكم الذي أوحينا إليك، {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} معطوفةٌ على ما في قولِهِ {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}.

والوصيَّةُ: هي العهدُ بالشيءِ الذي يُهْتَمُّ به {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} وهو: القرآنُ، {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} اللهُ أَكْبَرُ، ذَكَرَ اللهُ تعالى أوَّلَ الأنبياءِ الذين هم الرُّسُلُ وآخِرَهم، ثم ذَكَرَ ما بَيْنَ ذلك؛ لِيَجْمَعَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ والوسَطِ، أوَّلُ هؤلاء الرسلِ الكرامِ نوحٌ، وآخِرُهُم مُحَمَّدٌ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعليهم وسلَّمَ - هؤلاء الخمسةُ هم أولو العَزْمِ من الرسلِ، قال اللهُ تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقافِ: ٣٥] وذُكِرُوا في القرآنِ في مَوْضِعَيْنِ؛ هذا واحدٌ، والثاني قولُهُ تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الأحزابِ: ٧]، وهذه الآياتُ في سورةِ الأحزابِ.

فإن قال قائلٌ: هل من فائدةٍ أو حكمةٍ في تخصيصِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالوحْيِ وباقي الأنبياءِ بالوصيَّةِ؟

فالجوابُ: نعم، الحكمةُ هي إثباتُ أنَّ هذا القرآنَ موحًى به.

<<  <   >  >>