"أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءَ"(١)، مع أن الجَنَّة مَخلوقة، لكنها من آثار الرحمة.
وإذا وُلِد لشَخْص ولَدٌ، أو عاد إليه ضالٌّ من ماله، أو ضائِع من ماله، قال: والله هذا رحمة الله. فهذه الرحمةُ مَخلوقة؛ لأنها إحسان وإنعام، فإذا أُطلِقَتِ الرحمة على الإحسان والإنعام فهي مَخلوقة، وإذا أُطلِقَت على صِفة الله تعالى فهي غير مَخلوقة.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أن رَحمة الله تعالى سبَقَتْ غَضَبه، وذلك بكونه يَغفِر الذُّنوب جميعًا بالتوبة.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن الذُّنوب مهما عظُمت فإن الله يَغفِرها؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} كلَّ الذُّنوب؛ لأن الله تعالى ذكَرها بـ {الذُّنُوبَ}، وأكَّد هذا العُمومَ بقوله تعالى:{جَمِيعًا}، لكن هذا في حقِّ التائِبين.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن ظاهِرها مَغفِرة الذُّنوب للتائِبين وإن كان الذَّنْب للمَخلوق، يَعنِي: لو اعتَدَيْت على شخص ثُم تُبتَ إلى الله تعالى فإن الله تعالى يَتوب عليك، ولو كان الذَّنْب للمَخلوق، لكننا اشتَرَطْنا أن تَتَوب، ومن تَمام التَّوْبة: أن تُوفَّيَ للمَخلوق حقَّه إن قدَرْت عليه، فإن لم تَقدِر عليه فأَوْفِه ولو بظَهْر الغَيْب.
ونحن نَضرِب لهذا مثَلًا: فإذا أَخَذت من شخصٍ مالًا بغير حَقًّ فهذا ذَنْبٌ فإذا تُبْت إلى الله تعالى يَغفِر الله تعالى لك الذَّنْب لا شَكَّ، لكن من تَمام التوبة أن تُوصِّل المال إلى صاحِبه، فإن مات فإلى ورَثَته، وإذا أدَّيْت إلى ورَثَته بَرِئَت ذِمَّتك منه.
لكن بَقِي ظُلْمك للمَيِّت الذي حُلْت بينه وبين ماله، هل تُحاسَب عليه أو لا تُحاسَب؟ إن قُلْت: لا تُحاسَب فسيَقول لك قائِل: كيف يَتَخلَّص الإنسان من ظُلْم
(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ}، رقم (٤٨٥٠)، ومسلم: كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، رقم (٢٨٤٦)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.