للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- بنحو شِبْر -، وقد قيل: إنه كان إلى غير الصالِحة أقرَبَ، لكنه في سِياق الموت من شِدَّة رَغْبته في الأرض الصالِحِ أهلُها كان يُزَحزِح نَفْسه، فقَبَضَتْه مَلائِكة الرحمة (١).

قالوا: فإذا كان هذا في الأُمَم السابِقة فهذه الأمةُ أَكرَمها الله تعالى من الأُمَم السابِقة، فكيف لا يَكون لها تَوْبة للقاتِل تَوْبة؟!

إذَنِ القول الراجِحُ: أن الآية هذه عامَّة حتى للقاتِل له تَوْبة، وقد حمَل ابنُ القيِّم (٢) رَحِمَهُ اللهُ ما رُوِيَ عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - مَحمَلًا حسَنًا، فقال: إن قَتْل العَمْد تَتَعلَّق به ثلاثة حُقوق: حقُّ الله تعالى، وحقُّ الميت، وحقُّ أَوْليائه: أمَّا حقُّ الله تعالى فإنه يَسقُط بالتَّوْبة بلا إشكالٍ، ولا يَخفَى مثل هذا عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -؛ وأمَّا حقُّ الميت فلا يُمكِن إسقاطه الآنَ في الدنيا؛ لأنه انتَقَل عن الدُّنيا وسيُطالِب بحقِّه يومَ القيامة؛ وأمَّا حقُّ أَوْلياء المَقتول بأن يُسلِّم نَفْسه لهم، فإذا سلَّم نَفْسه لهم، فهذا دليل على صِدْق تَوْبته وتَبرَأ ذِمَّته؛ هذا ما وجَّه ابنُ القيِّم رَحِمَهُ اللهُ كلامَ ابنِ عباس - رضي الله عنهما - إليه.

وعِندي أنه إذا تاب: تاب الله عليه حتى عن حقِّ الميت المَقتول، والله عَزَّ وَجَلَّ يَتَحمَّل حقَّ المَقتول يوم القِيامة ويُرضِيه.

وذلك لعُموم الأدِلَّة الدالَّة على أن مَن تاب من الذَّنْب وإن عظُم فإن الله تعالى يَتوب عليه، فإذا جاء هذا الرجُل تائِبًا وسلَّم نَفْسه لأَوْلياء المَقتول وقال: أنا الآنَ بين أيديكم إن شِئْتم القِصاص أو الدِّيَة أو العَفْو، فهذا أعلى ما يَقدِر عليه، وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].


(١) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم (٣٤٧٠)، ومسلم: كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل، رقم (٢٧٦٦)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) الجواب الكافي (ص ١٤٦ - ١٤٧).

<<  <   >  >>