للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الواحدي: {بئس} ذمٌّ بشدة الفساد، وأصل الكلمة من الشدة، ومنه (البأساء): وهو اسم للحرب والمشقة والضرر والشدة، ومنه {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [الأعرف: ١٦٥] أي: شديد" (١).

ويجوز في (بئس) أربع لغات (٢):

الأول: على الأصل، بفتح الأول وكسر الثاني.

والثاني: اتباع الأول للثاني وهو أن يكون بكسر النون والعين، .

الثالث: إسكان الحرف الحلقي المكسور وترك ما قبله على ما كان فيقال: نعم وبئس بفتح الأول وإسكان الثاني.

الرابع: أن يسكن الحرف الحلقي وتنقل كسرته إلى ما قبله فيقال: نعم، بكسر النون وإسكان العين.

كما أن هذا التغيير الأخير وإن كان في حد الجواز عند إطلاق هاتين الكلمتين إلا أنهم جعلوه لازما لهما لخروجهما عما وضعت له الأفعال الماضية من الإخبار عن وجود المصدر في الزمان الماضي وصيرورتهما كلمتي مدح وذم ويراد بهما المبالغة في المدح والذم، ليدل هذا التغيير اللازم في اللفظ على التغيير عن الأصل في المعنى فيقولون: نعم الرجل زيد ولا يذكرونه على الأصل إلا في ضرورة الشعر كما أنشد المبرد (٣):

ففداء لبني قيس على ... ما أصاب الناس من شر وضر

ما أقلت قدماي إنهم ... نعم الساعون في الأمر المبر

كما أنهما (نعم وبئس) فعلان من نعم ينعم وبئس ويبأس، والدليل عليه دخول التاء التي هي علامة التأنيث فيهما، فيقال: نعمت وبئست، والفراء يجعلهما بمنزلة الأسماء ويحتج بقول حسان ابن ثابت رضي الله عنه (٤):

ألسنا بنعم الجار يؤلف بيته ... من الناس ذا مال كثير ومعدما

وبما روي أن أعرابيا بشر بمولودة فقيل له: نعم المولود مولودتك، فقال: والله ما هي بنعم المولودة، والبصريون يجيبون عنه بأن ذلك بطريق الحكاية (٥).

وقد اختلف أهل العربية في معنى (ما) التي مع (بئسما) على قولين (٦):

الأول: قال بعض نحويي البصرة: هي وحدها اسم، و {أن يكفروا} تفسير له، نحو: نعم رجلا زيد، و {أن ينزل الله} بدل من {أنزل الله}.

والثاني: وهو قول بعض نحويي الكوفة: أن معنى ذلك: بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا، ف (ما) اسم (بئس)، و (أن يكفروا) الاسم الثاني، وزعم أن: (أن يكفروا) إن شئت جعلت (أن) في موضع رفع، وإن شئت في موضع خفض، أما الرفع: فبئس الشيء هذا أن يفعلوه. وأما الخفض: فبئس الشيء اشتروا به


(١) التفسير البسيط: ٣/ ١٤٣.
(٢) انظر: مفاتيح الغيب: ٣/ ٥٩٩ - ٦٠٠، والدر المصون: ١/ ٥٠٧.
(٣) وفي رواية " فداء " بالرفع، أي نفسي فداء أو أنا فداء. وفي ديوان طرفة ٨٢ والخزانة (٤: ١٠١ بولاق)، وفي الديوان والخزانة: " من سر وضر " وهما بضم أولهما السراء والضراء.
(٤) الرواية الصحيحة للبيت:
ألستُ بِنِعْمَ الجارُ يُؤْلِفُ بَيْتَهُ ... أخَا قِلَّةٍ أو مُعْدِمَ المال مُصْرِمَا،
هذا البيت نسب إلى حسان بن ثابت الأنصاري، والجار: أراد به هنا الذي يستجير به الناس من الفقر والحاجة فينزلون في حماه ويستظلون بظله ويجعلون عليه قضاء حاجاتهم، ويؤلف بيته ببناء الفعل للمعلوم: أي يجعل المقل يألف بيته، وذلك ببسط الكف وبذل العرف وبشاشة الوجه ونحو ذلك، وأخو القلة: الفقير الذي لا يجد كفايته، والمصرم: أراد به المعدم الذي لا يجد شيئًا، وأصله من الصرم الذي هو القطع، ومنه قالوا: ناقة صرماء، وناقة مصرمة، للتي انقطع لبنها وجفَّ، وذلك أن يصيب الضرع شيء فيكوى بالنار فلا يخرج منه لبن أبدًا والاستشهاد بالبيت في قوله "بنعم الجار" فإن الكوفيين استندوا إلى ظاهر هذه العبارة فزعموا أن "نعم" اسم بمعنى الممدوح بدليل دخول حرف الجر عليه. (انظر: الانصاف في مسائل الخلاف: ١/ ٨١) وانظر: تفسير اللباب، ابن عادل: ١/ ٤٥٤، وانظر في هذه المسألة: التصريح للشيخ خالد "٢/ ١١٧ بولاق" وشرح الأشموني "٤/ ١٩٢" وما بعده، وحاشية الصبان "٣/ ٢٣ بولاق" وشرح رضي الدين على الكافية "٢/ ٢٨٩ وما بعدها" وشرح موفق الدين بن يعيش على المفصل "ص ١٠٢٨ أوروبة" وأسرار العربية للمؤلف "ص ٤١ ط ليدن" وشرح قطر الندى لابن هشام "ص ٢٧ ط سنة ١٩٥٩" وشرح ابن عقيل على الألفية "٢/ ١٢٧.
(٥) انظر: تفسير الرازي: ٢/ ١٦٧.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>