للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٨٩)} [البقرة: ٨٩]

التفسير:

وحين جاءهم القرأن من عند الله مصدقا لما معهم من التوراة جحدوه، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستنصرون به على مشركي العرب، ويقولون: قَرُبَ مبعث نبيِّ آخرِ الزمان، وسنتبعه ونقاتلكم معه. فلمَّا جاءهم الرسول الذي عرفوا صفاتِه وصِدْقَه كفروا به وكذبوه. فلعنةُ الله على كل مَن كفر بنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابه الذي أوحاه الله إليه.

في سبب نزول الآية وجوه (١):

أحدها: أخرج الطبري عن ابن عباس: "أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. فلما بعثه الله من العرب، كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه. فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته! فقال سَلام بن مِشْكَم أخو بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم! فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩] " (٢).

والثاني: قال السدي: "كانت العرب تمر بيهود فيلقون منهم أذى، وكانت اليهود تجد نعت محمد في التوراة، ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - كفروا به حسدا، وقالوا: إنما كانت الرسل من بني إسرائيل، فما بال هذا من بني إسماعيل" (٣).

والثالث: قال أبو العالية: "كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب، يقولون: اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم! فلما بعث الله محمدا، ورأوا أنه من غيرهم، كفروا به حسدا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال الله: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} " (٤). وروي عن ابن عباس (٥)، وقتادة (٦)، والسدي (٧)، وعطاء (٨)، وابن زيد (٩)، نحو ذلك.

الرابع: أن اليهود كانوا يقولون لمخالفيهم عند القتال: هذا نبي قد أظل زمانه ينصرنا عليكم، فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه، كفروا به. يقول الله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}، قاله ابن عباس (١٠)، وقتادة الأنصاري (١١) وروي عن مجاهد (١٢) نحوه.

الخامس: أن اليهود من قبل مبعث محمد عليه السلام ونزول القرآن، كانوا يستفتحون به على الناس. قاله علي الأزدي (١٣).


(١) انظر أساب النزول للواحدي: ٢٨ - ٢٩، والعجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٨٠ - ٢٨١.
(٢) تفسير الطبري (١٥٢٠): ص ٢/ ٣٣٣ - ٣٣٤، وابن أبي حاتم (لباب النقول: ٢١) وأبو نعيم في "الدلائل " (١/ ١٩) من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده حسن، ويشهد له: ما أخرجه ابن المنذر وأبو نعيم (فتح القدير: ١/ ١١٣) والبيهقي في "الدلائل" (٢/ ٧٥) من طريق إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من الأنصار بمعناه. وحسنه الوادعي (الصحيح المسند: ٢)، والخبر في سيرة ابن هشام: ٢/ ١٩٦. وانظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٦.
(٣) أسباب النزول للواحدي: ٢٩، وأخرجه الطبري (١٥٢٧): ص ٢/ ٣٣٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٦): ص ٢/ ٣٣٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٢): ص ٢/ ٣٣٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٥): ص ٢/ ٣٣٤ - ٣٣٥.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٧): ص ٢/ ٣٣٥.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٨): ص ٢/ ٣٣٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري (١٥٣٢): ص ٢/ ٣٣٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٠): ص ٢/ ٣٣٣.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١٥١٩): ص ٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (١٥٣٠): ص ٢/ ٣٣٦.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (١٥٢٣): ص ٢/ ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>