للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو بأبانين جاء يخطبها ... خضب ما أنف خاطب بدم

يعني: خضب أنف خاطب بدم، وأن (ما) زائدة (١).

قال النسفي: و {ما} مزيدة، وهو إيمانهم ببعض الكتاب" (٢).

وأنكر آخرون على احتجاج القول الأول ببيت المهلهل، وقالوا: إنما ذلك من المتكلم على ابتداء الكلام بالخبر عن عموم جميع الأشياء، إذ كانت (ما) كلمة تجمع كل الأشياء، ثم تخص وتعم ما عمته بما تذكره بعدها.

والثاني: أنها نافية (٣)، أي: فما يؤمنون قليلاً ولا كثيراً، ومثلُه: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: ١٠]، {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣].

قال السمين الحلبي: "وهذا قويٌ من جهة المعنى، وإنما يَضْعُفُ شيئاً من جهةٍ تقدُّم ما في حَيِّزها عليها، قاله أبو البقاء، وإليه ذهب ابن الأنبار إلا أنَّ تقديمَ ما في حَيِّزها عليها لم يُجْزِه البصريون، وأجازه الكوفيون" (٤).

والثالث: أنها زائدة لتوكيد (القلة)، قاله ابن عطية (٥)، وابن عثيمين (٦)، وأكثر المفسرين.

والقول الأخير أولى بالصواب، أي أنها مزيدة أفادت معنى التوكيد، وذلك "لأن زيادة {ما}، لا يفيد من الكلام معنى في الكلام، غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه" (٧).

قال الواحدي: " "والآيه رَدٌّ على القدرية؛ لأن الله تعالى بيّن أن كفرهم بسبب لعنه آباءهم، فالله تعالى لما لعنهم وطردهم وأراد كفرهم وشقاوتهم منعهم الإيمان" (٨).

الفوائد:

١. من فائد الآية: أن هؤلاء الذين لم يقبلوا الحق احتجوا بما ليس بحجة؛ فقالوا: قلوبنا غلف.

٢. ومنها: أن من صنع مثل صنيعهم فهو شبيه بهم؛ يوجد أناس نسمع عنهم أنهم إذا نُصِحوا، ودُعوا إلى الحق قالوا: "ما هدانا الله"؛ وهؤلاء مشابهون لليهود الذين قالوا: {قلوبنا غلف}.

٣. ومنها: أن القلوب بفطرتها ليست غلفاء؛ لقوله تعالى: {بل لعنهم الله}؛ وهذا الإضراب للإبطال. يعني ليست القلوب غَلفاء لا تقبل الحق، لكن هناك شيء آخر هو الذي منع من وصل الحق؛ وهو لَعْن الله إياهم بسبب كفرهم.

٤. ومنها: أن الفطرة من حيث هي فطرة تقبل الحق، ولكن يوجد لها موانع.

٥. منها: بيان أن الأسباب مهما قويت إذا غلب عليها المانع لم تؤثر شيئاً؛ فالقلوب وإن كانت مفطورة على الدين القيم لكن إذا وجد موانع لم تتمكن من الهدى؛ وقد قيل: إن الأمور لا تتم إلا بوجود أسبابها، وانتفاء موانعها.

٦. ومنها: إثبات الأسباب، وأن لها تأثيراً في مسبباتها بإذن الله؛ لقوله تعالى: {بل لعنهم الله بكفرهم}.

٧. ومنها: أن الإيمان في هؤلاء اليهود قليل، أو معدوم؛ لقوله تعالى: {فقليلاً ما يؤمنون}.

القرآن


(١) انظر: معاني القرآن للأخفش: ١/ ١٤٢.
(٢) تفسير النسفي: ١/ ٧٥.
(٣) انظر: الدر المصون: ١/ ٥٠٢.
(٤) الدر المصون: ١/ ٥٠٢ - ٥٠٣.
(٥) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٧٧.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٨٤.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣٣١.
(٨) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>