للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث: "والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" (١)، أخرجهما مسلم (٢).

قوله تعالى: {اسْتَكْبَرْتُمْ} [البقرة: ٨٧]، " أي تكبرتم عن اتباعه" (٣).

قال الواحدي: أي: " تعظمتم عن الإيمان به؛ لأنهم كانت لهم الرئاسة، وكانوا متبوعين، فآثروا الدنيا على الآخرة" (٤).

قال القرطبي: أي تكبرتم" عن إجابته احتقارا للرسل، واستبعادا للرسالة (٥).

قال البيضاوي: أي تكبرتم: " عن الإيمان واتباع الرسل" (٦).

قال أبو السعود: أي تكبرتم" عن الاتباع له والإيمانِ بما جآء به من عند الله تعالى" (٧).

قال ابن عاشور: " والاستكبار الاتصاف بالكبر وهو هنا الترفع عن اتباع الرسل وإعجاب المتكبرين بأنفسهم واعتقاد أنهم أعلى من أن يطيعوا الرسل ويكونوا أتباعا لهم، فالسين والتاء في استكبرتم للمبالغة" (٨).

وقال الراغب: " ثم زاد في ذمهم بوصفهم بالاستكبار إذ هو مقر النقائص، فإنه نتيجة الإعجاب، والإعجاب نتيجة الجهل بالنفس والجهل بالنفس مقارن للجهل بخالقها، ولذلك قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: ١٩] " (٩).

قوله تعالى: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ} [البقرة: ٨٧]، أي: "فطائفة منهم كذبتموهم" (١٠).

قال سعيد بن جبير: " فريقا يعني طائفة" (١١).

قال أبو السعود: أي كذبتم" منْ غيرِ أنْ تتعرضُوا لهم بشيء آخر من المضارِّ" (١٢).

قال الواحدي: " مثل: عيسى ومحمد" (١٣).

قال البيضاوي: " كموسى وعيسى عليهما السلام، والفاء للسببية أو للتفصيل" (١٤).


(١) رواه مسلم، في كتاب الرضاع، باب جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث رقم (١٤٦٤)، قال الامام مسلم: "حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: ٥١] " قَالَتْ: قُلْتُ: «وَاللهِ، مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ".
ومعنى الحديث: أن الله سبحانه وتعالى خص نبيه من بين سائر المؤمنين بأن أي امرأة وهبت نفسها له فله أن ينكحها. فعند نزول الآية المذكورة قالت عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. ومعناه كما قال ابن حجر: (أي ما أرى الله إلا موجداً لما تريد بلا تأخير، منزلا لما تحب وتختار. وقال القرطبي: هذا قول أبرزه الدلال والغيرة، وهو من نوع قولها: ما أحمدكما ولا أحمد إلا الله. وإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يحمل على ظاهره لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل بالهوى، ولو قالت إلى مرضاتك لكان أليق، ولكن الغيرة يغتفر لأجلها إطلاق مثل ذلك.
وهذا الحديث دليل على عفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم شهوانيته، لأن الله أباح له أي امرأة تهب نفسها له، وجاءه كثير من النساء وعرضن أنفسهن عليه وردهن، فقد أخرج الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. (انظر: تفسير الطبري: ٢٠/ ٢٨٥/ في صدد تفسيره الاية (٥٠ من سورة الاحزاب)، قال ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبت نفسها له، وإن كان مباحاً له، لأنه انظر إلى إرادته لقوله تعالى (إن أراد النبي أن يستنكحها). والله أعلم. (انظر: صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة الأحزاب، الحديث رقم (٤٥٠٦): ٨/ ٣٧٨).
(٢) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٥.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ٦٨.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٥) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٥.
(٦) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٣.
(٧) تفسير أبي السعود: ١/ ١٢٧.
(٨) التحرير والتنوير: ١/ ٥٩٨.
(٩) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٢٥٦.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٦٨.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٨٩١): ص ١/ ١٧٠.
(١٢) تفسير أبي السعود: ١/ ١٢٧.
(١٣) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٣.
(١٤) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>