للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخطاب لليهود من بني إسرائيل. قاله مجاهد (١).

وهذا القول: هو "نهاية الذم لهم، لأن اليهود من بني إسرائيل كانوا إذا أتاهم الرسول بخلاف ما يهوون كذبوه، وإن تهيأ لهم قتله قتلوه، وإنما كانوا كذلك لإرادتهم الرفعة في الدنيا وطلبهم لذاتها والترؤس على عامتهم وأخذ أموالهم بغير حق، وكانت الرسل تبطل عليهم ذلك فيكذبونهم لأجل ذلك ويوهمون عوامهم كونهم كاذبين ويحتجون في ذلك بالتحريف وسوء التأويل، ومنهم من كان يستكبر على الأنبياء استكبار إبليس على آدم" (٢).

قال ابن عاشور: المرادب بـ (الهوى)، " ما تميل إليه أنفسهم من الانخلاع عن القيود الشرعية والانغماس في أنواع الملذات والتصميم على العقائد الضالة" (٣).

وأصل (الهوى): الميل إلى الشيء، ويجمع أهواء، كما جاء في التنزيل، ولا يجمع أهوية، على أنهم قد قالوا في ندى أندية، قال الشاعر (٤):

في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا

قال الجوهري: وهو شاذ وسمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار، ولذلك لا يستعمل في الغالب إلا فيما ليس بحق وفيما لا خير فيه، وهذه الآية من ذلك. وقد يستعمل في الحق، ومنه قول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر: "فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت" (٥)، وقالت عائشة


(١) انظر: تفسير الطبري (١٤٩٦): ص ٢/ ٣٢٣.
(٢) انظر: تفسير الرازي: ٢/ ١٦٣.
(٣) التحرير والتنوير: ١/ ٥٩٨.
(٤) البيت لمرّة بن محكان في الأغاني ٣/ ٣١٨؛ والخصائص ٣/ ٥٢، ٣/ ٢٣٧؛ وسر صناعة الإعراب ص ٦٢٠؛ وشرح التصريح ٢/ ٢٩٣؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٥٦٣؛ ولسان العرب ١٥/ ٣١٨ (ندى)؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٥١٠؛ والمقتضب ٣/ ٨١؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٣/ ٦٥٦؛ وشرح شافية ابن الحاجب ص ٣٢٩؛ وشرح المفصل ١٠/ ١٧؛ ولسان العرب ١١/ ٢٦٨ (رجل)، ومرة بن محكان وهو من شعراء الحماسة وقد اختار أبو تمام منها ابياتا في باب الاضياف والمديح وقبل البيت الشاهد قوله: يا ربة البيت قومي غير صاغرة * ضمى اليك رحال القوم والقربا وبعده بيت الشاهد وبعده قوله لا ينبح الكلب فيها غير واحدة * حتى يلف على خرطمه الذنبا ربة البيت: المراد منها امرأته وقوله (غير صاغرة) اراد غير مستهان بك وذلك لان اكرام الضيف عنده من اقدس الواجبات والرحال: جمع رحل يريد به متاع الضيفان. والقرب: جمع قراب مثل كتاب وكتب وهو جفن السيف وانما امرها ان تضم إليها قرب سيوفهم لانهم إذا نزلوا عنده امنوا ان يصيبهم مكروه وقوله (في ليلة من جمادى) اراد في ليلة من ليالى الشتاء وذلك لان الشتاء عندهم زمان الجدب والحاجة والاندية: جمع ندى والندى: البلل. وقيل ما سقط آخر الليل والطنب: الحبل الذى تشد به الخيمة. والاستشهاد بالبيت في قوله (اندية).
(٥) رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير من الصحيح، باب (١٨): رقم الحديث (٤٦٨٧). قال الامام: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ حَدَّثَنِى سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ح وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِىُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنِى أَبُو زُمَيْلٍ - هُوَ سِمَاكٌ الْحَنَفِىُّ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِىُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِى مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِى اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِى الأَرْضِ». فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بَأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلائِكَةِ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ فَحَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِى أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِياً فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ الأَنْصَارِىُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ». فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ «مَا تَرَوْنَ فِى هَؤُلاءِ الأُسَارَى». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِىَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ». قُلْتُ لا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِى رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّى أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّى مِنْ فُلانٍ - نَسِيباً لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا فَهَوِىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى مِنْ أَىِّ شَىْءٍ تَبْكِى أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَبْكِى لِلَّذِى عَرَضَ عَلَىَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَىَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ». شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِىِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ) إِلَى قَوْلِهِ (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ. تحفة ٥٦٧٥، ١٠٤٩٦ - ١٧٦٣/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>