للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عاشور: " فإنهم لما استكبروا بلغ بهم العصيان إلى حد أن كذبوا فريقا أي صرحوا بتكذيبهم أو عاملوهم معاملة الكاذب" (١).

قوله تعالى: {وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧]، أي: " وطائفة قتلتموهم" (٢).

قال أبو السعود أي: " غيرَ مكتفين بتكذيبهم، كزكريا ويحيى وغيرهما عليهم السلام" (٣).

قال الواحدي: " مثل: يحيى وزكريا" (٤).

قال القرطبي: "فكان ممن كذبوه عيسى ومحمد عليهما السلام، وممن قتلوه يحيى وزكريا عليهما السلام" (٥).

قال ابن عاشور: " وهذا كقوله تعالى عن أهل مدين {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود: ٩١] " (٦).

قال الراغب: " فإن قيل: لم قال: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: ٨٧]، وهلا جعلا ماضيين أو مستقبلين؟

قيل: أما من حيث اللفظ، فلأنه لما لم يكن يفسد المعنى روعي فيه المجانسة بين الفواصل ليكون اللفظ أحسن، وأما من حيث المعنى: فللتنبيه أنهم لم يتوقفوا في تكذيب من جاءهم من الأنبياء، فذكره بلفظ الماضي، إذ لا مزاولة فيه، وذكر القتل بلفظ الاستقبال تنبيهاً أنهم يزاولون قتله قدروا عليه أم لم يقدروا" (٧).

وقال ابن عاشور: " وجاء في {تقتلون}، بالمضارع عوضا عن الماضي، لاستحضار الحالة الفظيعة وهي حالة قتلهم رسلهم، كقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: ٩]، مع ما في صيغة {تقتلون}، من مراعاة الفواصل، فاكتمل بذلك بلاغة المعنى وحسن النظم" (٨).

وذكر البيضاوي في صيغة {تقتلون} [البقرة: ٨٧]، ثلاثة أوجه (٩):

أحدها: أنه ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية، استحضاراً لها في النفوس، فإن الأمر فظيع.

والثاني: مراعاة للفواصل.

والثالث: للدلالة على أنكم بعد فيه، فإنكم تحومون حول قتل محمد صلّى الله عليه وسلّم، لولا أني أعصمه منكم، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة.

الفوائد:

١ من فوائد الآية: إثبات رسالة موسى؛ لقوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب}.

٢ ومنها: تأكيد الخبر ذي الشأن. وإن لم ينكر المخاطب؛ لقوله تعالى: {ولقد آتينا}؛ فإنها مؤكدة بثلاث مؤكدات مع أنه لم يخاطب بها من ينكر؛ وتأكيد الكلام يكون في ثلاثة مواضع:

أولاً: إذا خوطب به المنكِر، وقد قال علماء البلاغة: إنه في هذه الحال يؤكد وجوباً.

ثانياً: إذا خوطب به المتردد؛ وقد قال علماء البلاغة: إنه في هذه الحال يؤكد استحساناً.

ثالثاً: إذا كان الخبر ذا أهمية بالغة فإنه يحسن توكيده. وإن خوطب به من لم ينكر، أو يتردد.


(١) التحرير والتنوير: ١/ ٥٩٨.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٦٨.
(٣) تفسير أبي السعود: ١/ ١٢٧.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٣.
(٥) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٥.
(٦) التحرير والتنوير: ١/ ٥٩٨.
(٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٢٥٦.
(٨) التحرير والتنوير: ١/ ٥٩٨.
(٩) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>