للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الأول أظهر، وهو قول الجمهور، لأن التسمية فيه أظهر مما عداه (١)، ولأن التأييد به على الحقيقة، ولأن الله-جل ثناؤه-أخبر أنه أيد عسى به في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} [المائدة: ١١٠] وهي تدل من جهتين على أن (روح القدس) غير الإنجيل:

الأولى: قوله-عز وجل-: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [المائدة: ١١٠] ونزول الإنجيل على عيسى كان في مرحلة الرجولة لا المهد.

والثانية: أنه لو كان المراد به الإنجيل لكان ذكر الإنجيل مرة أخرى لا معنى له، "وذلك خلف من الكلام والله-تعالى ذكره-يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة" (٢)، لكن قد يقال: إن الكلام في معرض الامتنان فإعادة ذكر الإنجيل مرة أخرى لا تخلو من فائدة؛ لأنه في الأول امتنان بالتأييد وفي الثاني امتنان بالتعليم وهما شيئان مختلفان لكن الجهة الأولى لا جواب عنها. وكونه اسم الله الأعظم الذي كان عيسى يحي به الموتى يحتاج إلى نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما كون المراد روح عيسى-عليه السلام-فوجه تأييد عيسى به متكلف. والله أعلم.

و(القُدُس)، فيه ثلاثة أقاويل (٣):

أحدها: هو الله تعالى، ولذلك سُمِّي عيسى عليه السلام روح القدس، لأن الله تعالى كوَّنه من

غير أب، وهذا قول الحسن (٤)، والربيع (٥)، وجعفر (٦)، وابن زيد (٧).

والثاني: أن القدس: المطهر، قاله ابن عباس (٨)، كأنه دل به على التطهر من الذنوب، قال العَجّاج (٩):

قد عَلِمَ القُدُّوس رَبُّ القُدْس

والثالث: أن القدس البركة، وهو قول السدي (١٠).

قال الواحدي: " وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام هو أنه كان قرينه، يسير معه حيثما سار، وأيضًا فإنه صَعِد به إلى السماء، ودليل هذا التأويل: قوله عز وجل: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: ١٠٢]، يعني: جبريل" (١١).

وقد وذكر ابن الجوزي في تأييد عيسى بروح القدس الذي هو جبريل ثلاثة أقوال (١٢):

أحدها: أنه أُيد به لإظهار حجته وأمر دينه.

والثاني: لدفع بني إسرائيل عنه إذ أرادوا قتله.

والثالث: أنه أيد به في جميع أحواله.

قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تهوى أَنْفُسُكُمْ} [البقرة: ٨٧]، " أي أفكلما جاءكم يا بني إِسرائيل رسول بما لا يوافق هواكم" (١٣).

قال القرطبي: "أي بما لا يوافقها ويلائمها (١٤).


(١) انظر: تفسير الرازي: ٢/ ١٦٣.
(٢) تفسير الطبري: ٢/ ٣٢٢.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٥٦.
(٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٥٦.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٨٨٧): ص ١/ ١٦٩.
(٦) انظر: تفسير الطبري (١٤٩٣): ص ٢/ ٣٢٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٤٩٤): ص ٢/ ٣٢٣.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٨٨٩): ص ١/ ١٦٩.
(٩) انظر: التفسير البسيط: ٣/ ١٣١، واللسان" ٦/ ٣٥٥٠ (مادة: قدس)، وفيه: (مولى) بدل (رب). وبعده:
إن أبا العباس أولى نفس ... بمعدن الملك القديم الكِرسِ
(١٠) انظر: تفسير الطبري (١٤٩٢): ص ٢/ ٣٢٢، وتفسير ابن أبي حاتم (٨٨٨): ص ١/ ١٦٩.
(١١) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٠.
(١٢) انظر: زاد المسير: ١/ ١١٢ - ١١٣.
(١٣) صفوة التفاسير: ١/ ٦٨.
(١٤) انظر: تفسير القرطبي: ٢/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>