للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجبريل رسول الله ينادي ... وروح القدس ليس به خفاء

وعن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفرًا من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الروح. فقال: "أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟ " قالوا: نعم" (١).

وفي صحيح ابن حبان أظنه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفخ في روعي: إن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (٢).

واختلفوا في سبب تسمية (جبريل)، بروح القدس، على ثلاثة أقاويل (٣):

أحدها: أنه سُمِّيَ رُوحاً، لأَنَّه بمنزلة الأرواح للأبدان، يحيي بما يأتي به من البينات من الله عز وجل، كما قال عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢]، أي: "كان كافرًا فهديناه" (٤).

والثاني: أنه سمي روحاً، لأن الغالب على جسمه الروحانية، لرقته، وكذلك سائر الملائكة، وإنما يختص به جبريل تشريفاً.

والثالث: أنه سمي روحاً، لأنه كان بتكوين الله تعالى له روحاً من عنده من غير ولادة.

القول الثاني: أن المراد بروح القدس: الإنجيل، كما قال في القرآن: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢]، وسمي به، لأن الدين يحيا به ومصالح الدنيا تنتظم لأجله (٥). وهذا قول ابن زيد (٦).

والقول الثالث: أن روح القدس: اسم الله الأعظم الذي كان عيسى يُحيِي به الموتى (٧)، قاله: ابن عباس في رواية الضحاك عنه (٨)، وروي نحوه عن سعيد بن جبير (٩).

والقول الرابع: أن روح القدس عيسى-عليه السلام-، وإنما كان ذلك تأييداً له لأن تكوينه في ذلك الروح اللدني هو الذي هيأه لأن يأتي بالمعجزات العظيمة (١٠).

وقالوا " وسمى روحَه قُدُسًا؛ لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة، ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث" (١١).


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١٤٨٩): ص ٢/ ٣٢٠، من طريق سلمة عن ابن إسحاق به.
(٢) ورواه البغوي في شرح السنة (١٤/ ٣٠٤) من طريق أبي عبيد عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي، عمن أخبره، عن ابن مسعود به مرفوعًا.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ١٥٦.
(٤) التفسير البسيط: ٣/ ١٣٠.
(٥) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (١/ ٨٦).
(٦) انظر: تفسير الطبري: (١٤٩٠): ص ٢/ ٣٢١، وزاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١١٣، وغيرهما،
(٧) انظر: تفسير للطبري: ٢/ ٣٢١، وتفسير ابن أبي حاتم: ١/ ٢٧٠ - ٢٧١، وغيرهما.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٤٩١): ص ٢/ ٤٢١، وابن أبي حاتم (٨٨٦): ص ١/ ١٦٩.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم: ١/ ١٦٩.
(١٠) انظر: الكشاف للزمخشري: ١/ ٢٩٤، مفاتيح الغيب للرازي: ٣/ ١٩٠.
(١١) التفسير البسيط: ٣/ ١٣١، وتفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>