للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو العالية: " هو كقوله: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: ٣٥] " (١).

قال ابن كثير: " أي: لا يفتر عنهم ساعة واحدة" (٢).

وقال الثعلبي: لا" يهون" (٣).

وقال القاسمي: " في واحدة من الدارين" (٤).

قال الآلوسي: أي العذاب الموعود به "يوم القيامة، أو مطلق الْعَذابُ دنيويا كان أو أخرويا" (٥).

وفي دخول الفاء في قوله: {فَلا يُخَفَّفُ} [البقرة: ٨٦]، قولان (٦):

أحدهما: العطف على (اشتروا) والقول الآخر بمعنى جواب الأمر، كقولك أولئك الضلال انتبه فلا خير فيهم، والأول أوجه، لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار.

والثاني: أن بعضهم حمل التخفيف على أنه لا ينقطع بل يدوم، لأنه لو انقطع لكان قد خف، وحمله آخرون على شدته لا على دوامه، والأولى أن يقال: إن العذاب قد يخف بالانقطاع وقد يخف بالقلة في كل وقت أو في بعض الأوقات، فإذا وصف تعالى عذابهم بأنه لا يخفف اقتضى ذلك نفي جميع ما ذكرناه.

قوله تعالى: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ٨٦]، " أي ولا أحد يمنع عنهم عذاب الله" (٧).

قال ابن كثير: " أي: وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي، ولا يجيرهم منه" (٨).

قال الثعلبي: أي ولا هم" يمنعون من عذاب الله" (٩).

قال النسفي: " ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم" (١٠).

واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ٨٦]، على وجهين (١١):

الأول: الأكثرون حملوه على نفي النصرة في الآخرة، يعني أن أحدا لا يدفع هذا العذاب عنهم ولا هم ينصرون على من يريد عذابهم. واختاره الرازي (١٢).

والثاني: ومنهم من حمله على نفي النصرة في الدنيا.

والثالث: أنهم لا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة. قاله ابن عطية (١٣).

والراجح هو القول الأخير، لأنه أشمل، ويجمع بين القولين.

فهم لا ينصرون بدفع الخزي إلى آخر الدنيا أو بدفع الجزية في الدنيا، والتعذيب في العقبى (١٤). والله أعلم.

الفوائد:

١. من فوائد الآية: توبيخ من اختار الدنيا على الآخرة؛ وهو مع كونه ضلالاً في الدين سفه في العقل؛ إذ إن الدنيا متاع قليل، ثم يزول؛ والآخرة خير، وأبقى.

٢. ومنها: أن هؤلاء القوم خالدون في العذاب أبد الآبدين؛ لقوله تعالى: {فلا يخفف عنهم العذاب}.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٨٧٨): ص ١/ ١٦٧.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٠ - ٣٢١.
(٣) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٢، وانظر: تفسير البغوي: ١/ ١١٩.
(٤) محاسن التأويل: ١/ ٣٤٦.
(٥) روح المعاني: ١/ ٣١٥. (بتصرف بسيط).
(٦) انظر: مفاتيح الغيب: ٢/ ١٦٠.
(٧) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧٧.
(٨) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٠ - ٣٢١.
(٩) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣٢، وانظر: تفسير البغوي: ١/ ١١٩.
(١٠) تفسير النسفي: ١/ ١٠٥.
(١١) انظر: مفاتيح الغيب: ٢/ ١٦٠.
(١٢) مفاتيح الغيب: ٢/ ١٦٠. قال الرازي: ""لأنه تعالى جعل ذلك جزاء على صنيعهم، ولذلك قال: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ}، وهذه الصفة لا تليق إلا بالآخرة، لأن عذاب الدنيا وإن حصل فيصير كالحدود التي تقام على المقصر ولأن الكفار قد يصيرون غالبين للمؤمنين في بعض الأوقات".
(١٣) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٦٧.
(١٤) انظر: روح المعاني: ١/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>