للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠. ومنها: إثبات أن صفات الله تعالى ثبوتية، ومنفية؛ لكن يجب أن نعلم أن النفي المحض لا يوجد في صفات الله تعالى؛ وإنما النفي الواقع في صفاته لبيان كمال ضد ذلك المنفي؛ ففي قوله تبارك وتعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} [الكهف: ٤٩] إثبات كمال العدل مع نفي الظلم عنه؛ وفي قوله تعالى: {وما مسَّنا من لغوب} [ق: ٣٨] إثبات كمال القوة مع نفي اللغوب عنه؛ وعلى هذا فقس؛ فالضابط في الصفات التي نفاها الله تعالى عن نفسه أنها تدل على نفي تلك الصفة، وعلى ثبوت كمال ضدها.

القرآن

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦)} [البقرة: ٨٦]

التفسير:

أولئك هم الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، فلا يخفف عنهم العذاب، وليس لهم ناصر ينصرهم مِن عذاب الله.

قال ابن عباس: "نزلت في اليهود، الذين تقدّم ذكرهم أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض" (١).

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [البقرة: ٨٦]، أي: " هؤلاء اليهود الذين نقضوا العهد، اختاروا الدنيا على الآخرة" (٢).

قال الثعلبي: أي: " استبدلوا" (٣).

قال النسفي: " اختاروها على الآخرة اختيار المشتري" (٤).

قال ابن كثير: " أي: استحبوها على الآخرة واختاروها" (٥).

قال القاسمي: " أي آثروا الْحَياةَ الدُّنْيا على خساستها. واستبدلوها بِالْآخِرَةِ مع نفاستها" (٦).

قال الآلوسي: " أي آثروا الحياة الدنيا واستبدلوها بالآخرة وأعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها" (٧).

قال الشوكاني: أي: " استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة" (٨).

قال قتادة: " استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة" (٩).

وقال ابن مسعود: " أخذوا الضلالة وتركوا الهدى" (١٠).

قال ابن عطية: " جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا" (١١).

وقال الطبري: " وإنما وصفهم الله جل ثناؤه ببأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بالله فيها، عوضا من نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين. فجعل حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم بالله، ثمنا لما ابتاعوه به من خسيس الدنيا" (١٢).

قال القرطبي: " والشراء هنا مستعار، والمعنى استحبوا الكفر على الإيمان، كما قال: " فاستحبوا العمى على الهدى " [فصلت: ١٧] فعبر عنه بالشراء، لأن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه" (١٣).

قوله تعالى: {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} [البقرة: ٨٦]، "أي لا يهوَّن عنهم، لا زمناً، ولا شدة، ولا قوة" (١٤).


(١) انظر: زاد المسير: ١/ ١١٢.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧٦.
(٣) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣١.
(٤) تفسير النسفي: ١/ ١٠٥.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٠ - ٣٢١.
(٦) محاسن التأويل: ١/ ٣٤٦.
(٧) روح المعاني: ١/ ٣١٥.
(٨) فتح القدير: ١/ ١١٠.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٨٧٧): ص ١/ ١٦٧.
(١٠) أخرجه الطبري (٣٨١): ص ١/ ٣١٢.
(١١) المحرر الوجيز: ١/ ١٧٦.
(١٢) تفسير الطبري: ٢/ ٣١٦ - ٣١٧.
(١٣) تفسير القرطبي: ١/ ٢١٠.
(١٤) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>