للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ الحسن وابن هرمز: {تردون} بتاء، على الخطاب لقوله {مِنْكُمْ}، وقال: {يُردّون}، بلفظ الجمع لمعنى {مَنْ} (١).

قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥]، "أي الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لا يغفل عن أفعالهم" (٢).

قال ابن عثيمين: "نفى الله سبحانه وتعالى عن نفسه صفة الغفلة؛ وذلك لكمال علمه، ومراقبته" (٣).

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥]، على وجهين (٤):

الأوزل: قرأ نافع وابن كثير {يعملون}، بـ (ياء) على ذكر الغائب، فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والآية واعظة لهم بالمعنى إن الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص.

والثاني: وقرأ الباقون {تَعْمَلُونَ}، بـ (تاء) على الخطاب المحتمل أن يكون في سرد الآية. قال ابن عطية: "وهو الأظهر" (٥).

ويحتمل أن يكون الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: "إن بني إسرائيل قد مضوا، وإنكم أنتم تعنون بهذا الحديث (٦)، يريد: وبما يجري مجراه (٧).

الفوائد:

١. ومنها: بيان تمرد بني إسرائيل؛ حيث إنهم نقضوا العهد الذي أخذه الله عليهم، فصار بعضهم يقتل بعضاً، ويخرج بعضهم بعضاً من ديارهم.

٢. ومنها: أن بعضهم يتعالى على بعض بالإثم، والعدوان.

٣. ومنها: تحريم التظاهر على الغير بغير حق؛ لقوله تعالى: {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان}؛ وأما إذا علا عليه بحق فإن هذا لا بأس به؛ فإن الله سبحانه وتعالى فضل العباد بعضهم على بعض، كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: ١٣]، وقال تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم} [محمد: ٣٥].

٤. ومنها: تناقض بني إسرائيل في دينهم، وقبولهم للشريعة؛ حيث إنه يقتل بعضهم بعضاً، ويخرج فريقاً من ديارهم؛ ثم إذ أتى بعضهم أسيراً فاداه. أي دفع فدية لفك أسره؛ لأنه واجب عليهم في شريعتهم أن يفدي بعضهم بعضاً؛ وهذا من الإيمان ببعض الكتاب، والكفر ببعضه؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض}.

٥. ومنها: أن الكفر ببعض الشريعة كفر بجميعها؛ وجه ذلك أن الله توعد هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض؛ ومثل ذلك إذا آمن ببعض الرسل دون بعض فإنه كفر بالجميع؛ ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين} [الشعراء: ١٠٥]. ونوح هو أول الرسل لم يسبقه رسول؛ ومع ذلك جعل الله المكذبين له مكذبين لجميع الرسل؛ ولقوله تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلًا * أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} [النساء: ١٥٠، ١٥١].

٦. ومن فوائد الآية: مضاعفة العقوبة على بني إسرائيل؛ لقوله تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب}.

٧. ومنها: إثبات يوم القيامة؛ وهو اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين مبعوثين من قبورهم.

٨. ومنها: تهديد الذين نقضوا العهد؛ لقوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون}.

٩. ومنها: كمال علم الله سبحانه وتعالى، ومراقبته لخلقه.


(١) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٧٥.
(٢) تفسير البيضاوي: ١/ ٩٢.
(٣) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٤٨.
(٤) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٥) المحرر الوجيز: ١/ ١٧٦.
(٦) أخرجه الطبري (١٤٨١): ص ٢/ ٣١٠.
(٧) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>