للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخزي: "الهوان والفضيحة، وقد أخزاه الله: أي: أهانه (١)، قال شمر (٢): أخزاه الله: فضحه، وفي القرآن: {وَلَا تُخْزُونِ فِى ضَيْفِي} [هود: ٢٣٠] أي: لا تفضحوني (٣)، قال أبو عبيد: "يُقال: خزِي يخزى خِزيًا: إذا هلك" (٤).

وقال ابن السراج: "معنى أخزاه الله، أي: أوقفه موقفا يُسْتحيَا منه، مِن قولهم: خزي يخزَى خِزَايَةً: إذا استحيا" (٥).

ثم اختلف في الخزي الذي أخزاهم الله بما سلف من معصيتهم إياه، على وجوه (٦):

الأول: فقال بعضهم: ذلك هو حكم الله الذي أنزله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: من أخذ القاتل بمن قتل، والقود به قصاصا، والانتقام للمظلوم من الظالم (٧).

والثاني: أن ذلك، هو أخذ الجزية منهم ما أقاموا على دينهم، ذلة لهم وصغارا (٨).

والثالث: أنه كان خزي قريظة القتل والسّبي، وخزي بني النضير الجلاء والنفي عن منازلهم وجنانهم إلى أذرعات وريحا من الشّام، فكان ذلك خزيا في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم (٩).

قوله تعالى: {وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب} [البقرة: ٨٥]، "أي وهم صائرون في الآخرة إِلى عذاب أشدّ منه" (١٠).

قال السعدي: "أي أعظمه" (١١).

قال الثعلبي: " وهو عذاب النّار" (١٢).

و{َيَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي يوم البعث؛ وسمي بذلك؛ لأن الناس يقومون فيه من قبورهم لرب العالمين؛ ولأنه يقوم فيه الأشهاد؛ ولأنه يقام فيه العدل؛ و (يوم القيامة) ظرف متعلق بـ (يردون) أي يرجعون من ذلّ الدنيا، وخزيها؛ (إلى أشد العذاب) أي أعظمه؛ و (العذاب): العقوبة (١٣).

وفي قوله تعالى {أشد العذاب} ثلاثة أقوال (١٤):

أحدها: أنه عذاب لا رَوْح فيه (١٥) تتصل أجزاؤه، فلا يفتر أبدا عنهم.

والثاني: عذابٌ أشدّ من عذاب الدنيا، بتضعيف الألم فيه.

والثالث: أن {أشد العذاب}، الخلود في جهنم. قاله ابن عطية (١٦).

و(الردُّ): "الرجع. يقال: ردّه إلى كذا، ويقال للمُجبّر: ردّاد؛ لأنه يردّ العُضْو إلى ما كان. والرِّدّة: الرجوع عن الشيء، ومنه الردّة عن الإسلام" (١٧).


(١) انظر: تهذيب اللغة" ١/ ١٠٢٧، "اللسان" ٢/ ١١٥٥ مادة (خزا)، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٣.
(٢) هو: شمر أبو عمرو بن حمدويه الهروي اللغوي الأديب الفاضل الكامل، إليه الرحلة في هذا الفن من كل مكان، كانت له عناية بعلم اللغة، توفي سنة ٢٥٥ هـ. ينظر: "إنباه الرواة" ٢/ ٧٧ - ٧٨، و"بغية الوعاة" ٢/ ٤ - ٥.
(٣) تهذيب اللغة" ١/ ١٠٢٧، اللسان" ٢/ ١١٥٥ (مادة: خزي).
(٤) غريب الحديث: ٢/ ٣٨١.
(٥) انظر: غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٣٨١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٢٧٤، (مادة: خزى)، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣.
(٦) تفسير الطبري: ٢/ ٣١٤.
(٧) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣١٤.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ٢/ ٣١٤.
(٩) انظر: تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣١، وتفسير الطبري: ٢/ ٣١٤.
(١٠) صفوة التفاسير: ١/ ٦٦.
(١١) تفسير السعدي: ٥٨.
(١٢) تفسير الثعلبي: ١/ ٢٣١.
(١٣) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ١٤٨. قال الامام الطبري: " يعني بقوله: (ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب): ويوم تقوم الساعة يرد من يفعل ذلك منكم - بعد الخزي الذي يحل به في الدنيا جزاء على معصية الله - إلى أشد العذاب الذي أعد الله لأعدائه. وقد قال بعضهم: معنى ذلك: ويوم القيامة يردون إلى أشد من عذاب الدنيا. ولا معنى لقول قائل ذلك، ذلك بأن الله جل ثناؤه إنما أخبر أنهم يردون إلى أشد معاني العذاب، ولذلك أدخل فيه " الألف واللام "، لأنه عنى به جنس العذاب كله، دون نوع منه. (تفسير الطبري: ٢/ ٣١٥).
(١٤) انظر التفسير البسيط للواحدي (٣/ ١٢٧) نقلت عنه بتلخيص وتصرف يسير.
(١٥) لا روح فيه: أي لا راحة فيه.
(١٦) انظر: المحرر الوجيز: ١/ ١٧٥.
(١٧) انظر: هذيب اللغة" ٢/ ١٣٩٠ مادة (ردد)، والتفسير البسيط: ٣/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>