للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: " أي: فهو غني عنكم وعن إيمانكم، ولا يتضرر بكفرانكم، كما قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: ٨] " (١).

قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١٧٠]، أي: " وكان الله عليمًا بأقوالكم وأفعالكم، حكيمًا في تشريعه وأمره" (٢).

قال السمرقندي: أي: " {وكان الله عليما} بخلقه، {حكيما}، في أمره" (٣).

قال ابن كثير: "أي: [{عَلِيمًا}] بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغَوَاية فيغويه {حَكِيمًا}، أي: في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره" (٤).

الفوائد:

١ - في الآية دليل على عموم رسالة نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لان المعنى: فإذا كانت السموات والأرض قد خضعتا لله تعالى كونًا وقدرًا خضوع سائر ملكه، فأولى بكم أن تؤمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن الذي أنزله عليه، وأن تنقادوا لذلك شرعًا حتى يكون الكون كلُّه خاضعًا لله قدرًا وشرعًا.

٢ - إثبات صفتي: «العلم» و «الحكمة» لله تعالى. وبموجبهما يتم الجزاء العادل الرحيم.

فالله هو «العليم»، أي: المحيط علمه بكل شي، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء (٥).

قال الخطابي: " العليم: هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق" (٦).

وأما «الحكيم»، فيدل هذا الاسم الكريم على أن الحكم لله، ويدل على أن الله موصوف بالحكمة، لأن الإحكام هو الإتقان، والإتقان وضع الشيء في موضعه. ففي الآية إثبات حكم وإثبات حكمة:

فالله عز وجل وحده هو الحاكم، وحكم الله إما كوني وإما شرعي:

- فحكم الله الشرعي ما جاءت به رسله ونزلت به كتبه من شرائع الدين، قال تعالى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} [الممتحنة: ١٠].

- وحكم الله الكوني: ما قضاه على عباده من الخلق والرزق والحياة والموت ونحو ذلك من معاني ربوبيته ومتقتضياتها، {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يوسف: ٨٠] (٧).

ومن فوائد اقتران الاسمين: «العليم، والحكيم»: أن الإيمان بعلم الله وحكمته يستلزم الطمأنينة التامة لما حكم به من أحكام كونية وشرعية، لصدور ذلك عن علم وحكمة، فيزول عنه القلق النفسي وينشرح صدره (٨).

القرآن

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٧١)} [النساء: ١٧١]

التفسير:

يا أهل الإنجيل لا تتجاوزوا الاعتقاد الحق في دينكم، ولا تقولوا على الله إلا الحق، فلا تجعلوا له صاحبةً ولا ولدًا. إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله أرسله الله بالحق، وخَلَقَه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم، وهي قوله: «كن»، فكان، وهي نفخة من الله تعالى نفخها جبريل بأمر ربه، فَصدِّقوا بأن الله واحد وأسلموا له، وصدِّقوا رسله فيما جاؤوكم به من عند الله واعملوا به، ولا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين. انتهوا عن هذه المقالة خيرًا لكم مما أنتم عليه، إنما الله إله واحد سبحانه. ما في السموات والأرض مُلْكُه،


(١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٧٦.
(٢) التفسير الميسر: ١٠٤.
(٣) تفسير السمرقندي: ١/ ٣٥٩.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٧٦.
(٥) انظر: شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين: ١/ ١٨٨.
(٦) شأن الدعاء: ١/ ٥٧.
(٧) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين: ١/ ١٨٨.
(٨) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن عثيمين: ١/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>