للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الراغب: " أصل (الغضب): غليان دم القلب إرادة الانتقام، ومبدأ الغضب: انفعال مكروه، بدلالة قوله عليه السلام: " إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار " وقال عليه السلام: " اتقوا الغضب، فإنها جمرة توقد في قلب ابن آدم ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه فمن وجد من ذلك شيئاً، فليلزم الأرض " (١) " (٢).

قال ابن أبي زمنين: " هذا دعاء أمر الله رسوله أن يدعو به، وجعله سنة له وللمؤمنين" (٣).

أخرج الطبري عن عدي بن حاتم، قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ {المغضوبَ عليهم} اليهود" (٤)، [و] "إن {الضَّالين}: النَّصارى" (٥). وروي عن ابن عباس (٦)، ومجاهد (٧)، والربيع (٨)، وابن زيد (٩).

وفي غضب الله عليهم، أربعة أقاويل (١٠):

أحدها: أنه الغضب المعروف من العباد.

قال الطبري: " غير أنه - وإن كان كذلك من جهة الإثبات (١١) - فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم، لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها" (١٢).

والثاني: أنه إرادة الانتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، وهذه الصفة لا تجوز على الله تعالى.

قال تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [سورة الزخرف: ٥٥].

وكما قال: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} [سورة المائدة: ٦٠].


(١) هذا طرف من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم من بعد صلاة العصر إلى مغيربان الشمس، أنظر: المصنف لابن أبي شيبة (٢٥٨٩٣): ص ١٣/ ٦٤ - ٦٥، كتاب الأدب، ورواه عبدالرزاق (٢٠٧٢٠)، من طريقة أحمد: ٣، ٦١، وحماد بن سلمة، والطيالسي (٢١٥٦)، وعبد بن حميد (٨٦٤)، وأحمد: ٣/ ١٩، وأبي يعلى (١٠٩٦، ١١٠١*ـ والحاكم: ٤/ ٥٠٥، وقال: لم يحتج الشيخان بابن جدعان، وعلّق عليه الذهبي بانه: صالح الحديث.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٦٦.
(٣) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ١١٩.
(٤) تفسير الطبري (١٩٣) - (١٩٥): ص ١/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٥) تفسير الطبري (٢٠٧) - (٢٠٩): ص ١/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٢٠٠): ص ١/ ١٨٧، و (٢١٥)، و (٢١٧): ص ١/ ١٩٣ - ١٩٤.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٢٠٢): ص ١/ ١٨٨، و (٢١٤): ص ١/ ١٩٣.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٢٠٣): ص ١/ ١٨٨، و (٢١٨): ص ١/ ١٩٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٢٠٥)، و (٢٠٦): ص ١/ ١٨٨، و (٢١٩)، و (٢٢٠): ص ١/ ١٩٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٨٨ - ١٨٩، والنكت والعيون: ١/ ٦١.
(١١) الإثبات: مذهب أهل السنة في إثبات الصفات لله تعالى كما وصف نفسه، وإثبات القدر بلا تأويل، خلافا لأهل القدر، وهم نفاته، وللجهمية والمعطلة للصفات.
(١٢) تفسير الطبري: ١/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>