للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهداية قد يأتي في كلام العرب: بمعنى التوفيق (١)، فمن ذلك قول الشاعر (٢):

لا تَحْرِمَنِّي هَدَاكَ الله مَسْألتِي ... وَلا أكُونَنْ كمن أوْدَى به السَّفَرُ

يعنى به: وفَّقك الله لقضاء حاجتي. ومنه قول الآخر (٣):

ولا تُعْجِلَنِّي هدَاك المليكُ ... فإنّ لكلِّ مَقامٍ مَقَالا

فمعلوم أنه إنما أراد: وفقك الله لإصابة الحق في أمري.

ومنه قول الله جل ثناؤه: {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، أي: " لا يُوفِّقهم، ولا يشرَحُ للحق والإيمان صدورَهم" (٤).

وذكر السمين الحلبي وجوها في معنى (الهداية) (٥):

أحدها: الإرشاد.

والثاني: الدلالة.

والثالث: التقدم، ومنه هوادي الخيل لتقدمها قال امرؤ القيس (٦):

فألحقه بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرة لم تزيل

فقوله: الهاديات، أي: أوائل بقر الوحش.

والرابع: التبيين نحو: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: ١٧]. أي بينا لهم.

والخامس: الإلهام، نحو: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٥٠] أي ألهمه لمصالحه.

والسادس: الدعاء كقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: ٧]، أي: داع.

والسابع: وقيل هو الميل، ومنه {إنا هدنآ إليك} [الأعراف: ٥٦]، والمعنى: مل بقلوبنا إليك، قال السمين الحلبي: "وهذا غلط، فإن تيك مادة أخرى من هاد يهود" (٧).

قال الحسن بن الفضل: " (الهدى) في القرآن على وجهين:

الوجه الأول: هدى دعاء وبيان كقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]، وقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} [الرعد: ٧]، و {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ} [فصّلت: ١٧].

الوجه الثاني: هدى توفيق وتسديد كقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [النحل: ٩٣]، وقوله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] " (٨).

وأما {الصراط}، ففيه ثلاثة أقوال (٩):

أحدها: أنه السبيل المستقيم، ومنه قول جرير (١٠):


(١) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٦٧.
(٢) لم أتعرف على قائله، والبيت من شواهد الطبري: ١/ ١٦٧، وفي أمالي المرتضى: ١/ ١٦٠، من ابيات لودقة الأسدي يقولها لمعن بن زائدة.
(٣) نسبه المفضل بن سلمة في الفاخر: ٢٥٣، وقال: " أول من قال ذلك طرفة بن العبد، في شعر يعتذر فيه إلى عمرو بن هند "، وليس في ديوانه، وانظر أمثال الميداني ٢/ ١٢٥.
(٤) تفسير الطبري: ١/ ١٦٧.
(٥) انظر: الدر المصون: ١/ ٦٣.
(٦) ديوانه: ٢٢، وانظر: شرح المعلقات السبع للزوزني: ٣١، إذ الرواية فيه (فالحقنا). وجواحرها، أي: متخلفاتها. لم تزيل: لم تتفرق.
(٧) الدر المصون: ١/ ٦٣.
(٨) تفسير الثعلبي: ١/ ١١٩.
(٩) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٨.
(١٠) ديوانه: ٥٠٧، يمدح هشام بن عبد الملك. والموارد جمع موردة: وهي الطرق إلى الماء. يريد الطرق التي يسلكها الناس إلى أغراضهم وحاجاتهم، كما يسلكون الموارد إلى الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>