للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - ومن الفوائد أن كلمة الاستعانة تُشعر بوجوب العمل، والأخذ بالأسباب، لأن الاستعانة طلب العون من الله تعالى على أداء عمل أو إتمامه، وذلك في كل ما للإنسان فيه كسب، كطلب الشفاء من الله تعالى مع بذل سبب العلاج وأخذ الدواء، وطلب الرزق مع بذل السبب، وطلب النصر على العدو مع مجاهدته وإعداد العدة، وطلب النجاح في الامتحان من الله تعالى مع الجد والاجتهاد في تحصيل الدروس، وهكذا.

وكل من ترك الأخذ بالأسباب يكون قد جانب الصواب، وكل من اعتمد على الله تعالى دون أن يبذل الأسباب فقد أخطأ الاعتقاد، فإن العبد لا يستغني عن العون الإلهي مهما أوتي من قوة وحصافة، ولابد له من العمل والتوكل، ولا ينفع التوكل بدون عمل، ولا ينفع عمل بدون توكل واستعانة.

٩ - ومن الفوائد اشتمال هذه الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، على توحيد الربوبية والاستعانة به سبحانه وتعالى، وهي أفضل الوسائل للإعانة على العبادة، والتعبد يكون باسم الله، واسم الرحمن، واسم الرب، والمسلم يعبد الله تعالى بألوهيته، ويستعين بربوبيته.

عن الحسن: أن الله تعالى أنزل مئة وأربعة كتب جمع معانيها في أربعة هن: التوراة، والإنجيل، والقرآن، والزبور، وجمع معانيها في القرآن، وجمع معاني القرآن في الفاتحة، وجمع معاني الفاتحة في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (١).

وإذا قرأ العبد "الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" وعند التلفظ بـ "وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" تغمره السكينة والطمأنينة، لأنه قد توكل على الله، وألقى إليه مقاليد أموره في الدنيا والآخرة، لعينه سبحانه على الوصول إليها.

القرآن

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)} [الفاتحة: ٦]

التفسير:

دُلَّنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الطريق المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك، وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.

قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦]، " أي: دلنا وأرشدنا يا رب إِلى طريقك الحق ودينك المستقيم" (٢).

قال ابن أبي زمنين: "اي أرشدنا الطريق" (٣).

قال النسفي: " أي ثبتنا على المنهاج الواضح" (٤).

قال الزجاج: اي: ثبتنا على المنهاج الواضح" (٥).

قال مقاتل: " يعني دين الإسلام، لأن غير دين الإسلام لَيْسَ بمستقيم" (٦).


(١) كتاب الصلاة ابن القيم وأخرجه البيهقي عن الحسن في "شعب الإيمان"، وذكره كل من ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ٢٢/ ٦٠٧، وابن قيم في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (١/ ٩٥).
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٢٠.
(٣) تفسير ابن أبي زمنين: ١/ ١١٩.
(٤) تفسير النسفي: ١/ ٣٢.
(٥) معاني القرآن: ١/ ٤٩. [بتصرف بسيط].
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>