للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - ومن الفوائد في مفهوم العبادة الشامل، هو أن الإنسان سيتجنب الكثير من الأعمال التي لا تدخل دائرة العبادة. أي الأعمال غير المشروعة أو المحرمة، لأن الأعمال كلها إما أن تكون في دائرة المشروع الجائز، أو في دائرة المنهي عنه فتركه للمنهي عنه أيضاً عبادة يؤجر عليها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " .. وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (١).

٧ - ومنها: إخلاص الاستعانة بالله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: {وإياك نستعين}، حيث قدم المفعول.

فإن قال قائل: كيف يقال: إخلاص الاستعانة لله وقد جاء في قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: ٢] إثبات المعونة من غير الله عزّ وجلّ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة" (٢)؟

فالجواب: أن الاستعانة نوعان: استعانة تفويض؛ بمعنى أنك تعتمد على الله عزّ وجلّ، وتتبرأ من حولك، وقوتك؛ وهذا خاص بالله عزّ وجلّ؛ واستعانة بمعنى المشاركة فيما تريد أن تقوم به: فهذه جائزة إذا كان المستعان به حياً قادراً على الإعانة؛ لأنه ليس عبادة؛ ولهذا قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: ٢].

فيمكن القول بأن والاستعانة نوعان:

احدهما: نوع خاص بالله تعالى: لا يُطلب إلا منه سبحانه وتعالى، ولا يُقصد غيره فيه، ويكون ذلك في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله سبحانه، كالاستعاذة، والمدد، وجلب الخير، ودفع الضر، وإجابة الدعاء، والاستغاثة، وطلب النجاح والشفاء، وطلب الولد والرزق.

والثاني: ونوع هو في مقدور الناس: كالاستعانة بشخص في حمل شيء لا يستطيع حمله، أو الاستعانة به في إنهاء معاملة أو مصلحة مشروعة، أو الاستعانة به في أن يشفع له شفاعة حسنة لدى مسئول للتوصل إلى حقه، أو لدفع الضرر عنه، كذلك كل ما يعجز عنه الإنسان في أمور الدنيا ويحتاج إلى مساعدة غيره فيه، ويكون ذلك في الأمور التي تدخل في قدرة الإنسان وتصرفه، فهي استعانة جائزة مشروعة.

فإن قال قائل: وهل الاستعانة بالمخلوق جائزة في جميع الأحوال؟

فالجواب: لا؛ الاستعانة بالمخلوق إنما تجوز حيث كان المستعان به قادراً عليها؛ وأما إذا لم يكن قادراً فإنه لا يجوز أن تستعين به: كما لو استعان بصاحب قبر فهذا حرام؛ بل شرك أكبر؛ لأن صاحب القبر لا يغني عن نفسه شيئاً؛ فكيف يعينه! ! ! وكما لو استعان بغائب في أمر لا يقدر عليه، مثل أن يعتقد أن الوليّ الذي في شرق الدنيا يعينه على مهمته في بلده: فهذا أيضاً شرك أكبر؛ لأنه لا يقدر أن يعينه وهو هناك.

فإن قال قائل: هل يجوز أن يستعين المخلوقَ فيما تجوز استعانته به؟

فالجواب: الأولى أن لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة، أو إذا علم أن صاحبه يُسَر بذلك، فيستعين به من أجل إدخال السرور عليه؛ وينبغي لمن طلبت منه الإعانة على غير الإثم والعدوان أن يستجيب لذلك.


(١) رواه مسلم رقم ١٠٠٦ باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف ٢/ ٦٩٧.
(٢) أخرجه البخاري ص ٢٣٢، كتاب الجهاد، باب ٧٢: فضل من حمل متاع صاحبه في السفر حديث رقم ٢٨٩١؛ وأخرجه مسلم ص ٨٣٧، كتاب الزكاة، باب ١٦: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، حديث رقم ٢٣٣٥ [٥٦] ١٠٠٩، واللفظ لمسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>