للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبيّ: " وقرأ عَمرو بنُ فائد: (إِيَاكَ) بكسر الهمزة وتَخفيف الياء، وذلك أنّه كَرِهَ تضعيفَ الياء لِثقَلِها وكونِ الكسرة قبلَها. وهذه قراءةٌ مَرغوبٌ عنه، فإن المعنى يصير: شمسك نعبد أو ضوءك، إياةُ الشمس -بكسر الهمزة-: ضوءها " (١).

والثالث: (أَيَّاك) بفتح الهمزة وتشديد الياء، قرا بها الفضلُ الرّقاشيّ، وهي لغةٌ مشهورةٌ.

والرابع: (هَيَّاكَ)، في الموضعين [بالهاء بدل الهمزة]، قرأ بها أبو السّوار الغنويّ، وهي لغة، قال الشّاعر (٢):

فَهَيَّاكَ وَالأَمْرَ الَّذِي إِنْ تَرَاحَبَتْ ... مَوَارِدُهُ ضَاقَتْ عَلَيْكَ مَصَادِرُهُ

نستنتج مما سبق بأن (إِيَاكَ)، بالتّخفيف تُفسِدُ المعنى. وعلى قولِ الشّافعيّ وجماعة إنْ قرأَها بدون تشديد بَطُلَتْ صلاتُهُ، وقالَ بعضُهم إن تعمّدَ فيُخشَى عليه الشِّركُ؛ لأنّ الإيا هو ضوءُ الشَّمس فيصيرُ معناها: نعبدُ ضوءَ شمسِكَ بدل نعبدُكَ. والعِياذُ باللَهِ.

والخامس: (نَعْبُدُ)، قرأ بها نافع، ابن كثير، أبو عمرو، ابن عامر، عاصم، حمزة، الكسائي.

والسادس: (يُعْبُدُ)، بالياء، مبنيا للمفعول، قرأ بها الحسن وأبو مجلز، وعلي بن داود (٣).

قال أبو حيان: " وقراءة من قرأ إياك (يُعبد) بالياء مبنياً للمفعول مشكلة، لأن {إياك} ضمير نصب ولا ناصب له وتوجيهها إن فيها استعارة والتفاتاً، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنه قال أنت، ثم التفت فأخبر عنه أخبار الغائب لما كان إياك هو الغائب من حيث المعنى فقال: يعبد، وغرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة، وهو ينظر إلى قول الشاعر (٤):

أَأَنْتَ الهِلالِيُّ الَّذي كُنْتَ مَرَّةً ... سَمِعْنَا بِهِ وَالأَرْحَبِيُّ المُغَلَّبُ

وإلى قول أبي كثير الهذلي (٥):

يا لَهْفَ نَفْسِي كانَ جِدّةُ خالِدٍ ... وبَياضُ وَجْهِكَ للتّرَابِ الأعْفَرِ" (٦).

ومنه قول كثير (٧) (٨):

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلت


(١) تفسير القرطبي: ١/ ١٤٦.
(٢) البيت لطفيل الغنويّ كما في أساس البلاغة (ص ١٥٧ رحب)، وشرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٤٧٤.
(٣) انظر: البحر المحيط: ١/ ٢٣.
(٤) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى الدرر ١/ ٢٨٣، ورصف المبانى ص ٢٦، والمغرب ١/ ٦٣، وهمع الهوامع ١/ ٨٧.
(٥) انظر: أمالي ابن الشجري: ١/ ١١٧ ن وديوان الهذليين: ٢/ ١٠١، ومجاز القرآن: ١/ ٢٤، وتفسير الطبري: ١/ ٦٧، والمحرر الوجيز: ١/ ١٠٤.
وفي البيت يرثي الشاعر صديقا له اسمه خالد (جدة) يعني: شبابه، (الأعفر) يقول: دفن في أرض ترابها أعفر: أي: أبيض.
(٦) البحر المحيط: ١/ ٢٤ - ٢٥.
(٧) هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة من خزاعة، كان أحد العشاق المشهورين، وصاحبته (عزة) وهي من ضمرة، وإليها ينسب، كان كثير رافضيا توفي في اليوم الذي توفي فيه عكرمة مولى ابن عباس. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ٣٣٤، "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٣٤، "الخزانة" ٥/ ٢٢١.
(٨) من قصيدة لكثير في ذكر (عزة) قوله (مقلية) من القلي وهو البغض، (تقلت) تبغضت، ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص ٣٤٣، "ديوان كثير" ص ١٠١، نشر دار الثقافة بيروت، "أمالي ابن الشجري" ١/ ٤٩، ١١٨، "المحكم" ٣/ ١٤٤، "الخزانة" ٥/ ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>