للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أن اللغو: من الأيمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب، على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن وُصْلةً للكلام. قاله ابن عباس (١)، وطاوس (٢).

واحتجوا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يمين في غضب" (٣).

والرابع: أن اللغو في اليمين: الحلفُ على فعل ما نهى الله عنه، وترك ما أمر الله بفعله. وهذا قول سعيد بن جبير (٤)، وابن عباس (٥)، وسعيد بن المسيب (٦)، وأبي بكر (٧)، وعروة بن الزبير (٨) ومسروق (٩)، والشعبي (١٠).

واحتج هؤلاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصية لله فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رَحِمٍ فلا يمينَ له " (١١).

وبما روي "عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمينِ قطيعةِ رحم أو معصية لله، فبِرُّه أن يحنَث بها ويرجع عن يمينه" (١٢).

والخامس: أن اللغو من الأيمان: كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ منه إيجابَها على نفسه. قاله إبراهيم (١٣)، ومجاهد (١٤)، وعائشة (١٥) في رواية عروة عنها.

واستندوا بحديث الحسن بن أبي الحسن، قال: "مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله، وأخطأت! فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله! قال: كلا أيمان الرُّماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة" (١٦).

والسادس: أن اللغو من الأيمان، ما كان من يمينٍ بمعنى الدعاء من الحالف على نفسه: إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشرك والكفر. وهذا قول زيد بن أسلم (١٧)، وابن زيد (١٨).

والسابع: أن اللغو في الأيمان: ما كانت فيه كفارة. قاله ابن عباس (١٩)، والضحاك (٢٠).

والثامن: أن اللغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا. قاله إبراهيم (٢١).

والراجح-والله أعلم- أن الأيمان اللاغية، هي "التي يتكلم بها العبد، من غير قصد منه ولا كسب قلب، ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه: "لا والله "و "بلى والله "وكحلفه على أمر ماض، يظن صدق نفسه، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب، وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال، كما هي معتبرة في الأفعال" (٢٢).

و(الأيْمان): "جمع يمين، واليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا. وقيل: يمين فعيل من اليمن، وهو البركة، سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق. ويمين تذكر وتؤنث، وتجمع أيمان وأيمن، قال زهير:

فتجمع أيمن منا ومنكم" (٢٣)

قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، أي: ولكن يعاقبكم بما اقترفته قللوبكم بالقصد إليه وهي اليمين المعقودة (٢٤).

قال الطبري: يعني "ما تعمدت" (٢٥).

قال الزجاج: " أي بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم" (٢٦).

قال الواحدي: " أي: عزمتم وقصدتم، لأن كسب القلب العقد والنية" (٢٧).

قال الطبراني: " بما عزمتم وقصدتُم وتعمدتُم؛ لأن كَسْبَ القلب العقدُ والنيةُ" (٢٨).

قال البغوي: " أي عزمتم وقصدتم إلى اليمين، وكسب القلب العقد والنية" (٢٩).

قال القاسمي: " أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النية" (٣٠).


(١) انظر: تفسير الطبري (٤٤٣٣): ص ٤/ ٤٣٨.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٤٤٣٤): ص ٤/ ٤٣٨.
(٣) أخرجه الطبري (٤٤٣٥): ص ٤/ ٤٣٩. إسناد هـ صحيح، وهذا الحديث ذكره الحافظ في الفتح ١١/ ٤٩٠ ونسبه للطبراني في الأوسط، ثم قال: " وسنده ضعيف ". ولم أجده في مجمع الزوائد. وإنما ضعفه الحافظ فيما أرى والله أعلم - بأنه ذهب إلى تضعيف سليمان بن أبي سليمان.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٤٣٦): ص ٤/ ٤٣٩.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٨): ص ٤/ ٤٤١.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٢): ص ٤/ ٤٤٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٢): ص ٤/ ٤٤٠.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٢): ص ٤/ ٤٤٠.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٧): ص ٤/ ٤٤١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٤٤٤٩): ص ٤/ ٤٤٢.
(١١) تفسير الطبري (٤٤٥٢): ص ٤/ ٤٤٢. والحديث: رواه الحاكم في المستدرك ٤: ٣٠٠ من طريق الحسن بن علي بن عفان العامري. والبيهقي في السنن الكبرى ١٠: ٢٣ من طريق أحمد بن عبد الحميد الحارثي - كلاهما عن أبي أسامة، بهذا الإسناد. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". وتعقبه الذهبي فقال: " عبد الرحمن: متروك " وقال أبو حاتم: " شيخ " و " عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ": ثقة كما مضى في: ٣٨٢٧. ومعنى الحديث ثابت من أوجه كثيرة، مجموعًا ومفرقًا في المسند: ٦٧٣٢، ٦٧٨٠، ٦٧٨١، ٦٩٣٢، ٦٩٩٠.
(١٢) تفسير الطبري (٤٤٥٣): ص ٤/ ٤٤٢.وهذا حديث ضعيف جدًا. فيه: حارثة بن محمد: هو حارثة بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن يروي عن جدته أم أبيه عمرة بنت عبد الرحمن وهو ضعيف جدًا. قال البخاري في الكبير ٢/ ١/٨٧، والصغير: ١٧٤، والضعفاء: ١١ - " منكر الحديث " وقال أحمد: " ضعيف ليس بشيء ". وقال البخاري في الصغير: " لم يعتد أحمد بحارثة بن أبي الرجال ". والحديث لم أجده في شيء من المراجع.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٤٤٥٤): ص ٤/ ٤٤٣.
(١٤) انظر: تفسير الطبري (٤٤٥٦): ص ٤/ ٤٤٣.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٤٤٥٧): ص ٤/ ٤٤٣.
(١٦) تفسير الطبري (٤٤٥٨): ص ٤/ ٤٤٣. وهذا الحديث نقله ابن كثير ١: ٥٢٧ عن هذا الموضع. وقال: " هذا مرسل حسن، عن الحسن " ولعله أعجبه الجناس والسجع أما المرسل فإنه ضعيف، لجهالة الواسطة بعد التابعي كما هو معروف. ونقله السيوطي أيضًا ١: ٢٦٩ ولم ينسبه لغير الطبري.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٤٤٥٩): ص ٤/ ٤٤٤.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (٤٤٦٢): ص ٤/ ٤٤٥.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (٤٤٦٣): ص ٤/ ٤٤٥.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٤٤٦٤): ص ٤/ ٤٤٥.
(٢١) تفسير الطبري (٤٤٥): ص ٤/ ٤٤٦.
(٢٢) تفسير السعدي: ١/ ١٠١.
(٢٣) تفسير القرطبي: ٣/ ١٠١ - ١٠٢.
(٢٤) انظر: فتح القدير: ١/ ٢٣٠.
(٢٥) تفسير الطبري: ٤/ ٤٤٩.
(٢٦) معاني القرآن: ١/ ٢٩٩.
(٢٧) التفسير البسيط: ٤/ ١٩٩.
(٢٨) تفسير الطبراني: ١/ ١٦٥.
(٢٩) تفسير البغوي: ١/ ٢٦٣.
(٣٠) محاسن التأويل: ٢/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>