للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك" حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض مع أهل الإفك" (١).

والخامس: قال ابن عباس: " كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا} " (٢).

والسادس: قال الربيع: " ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. فأمره الله أن يدع يمينه، ويصل رحمه، ويأمر بالمعروف، ويصلح بين الناس" (٣).

قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ}، أي: ولا تجعلوا الحلف بالله "حاجزاً لما حلفتم عليه" (٤).

قال الصابوني: " أي لا تجعلوا الحلف بالله، سبباً مانعاً عن فعل الخير" (٥).

قال الزمخشري: أي: " ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى" (٦).

قال ابن عثيمين: " أي لا تصيروا الحلف بالله معترضاً بينكم، وبين ما حلفتم عليه" (٧).

قال القرطبي: " المعنى: لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم، وعدة في الامتناع من البر" (٨).

قال البغوي: لاتجعلوا "الحلف بالله سببا مانعا لكم من البر والتقوى، يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول حلفت بالله أن لا أفعله، فيعتل بيمينه في ترك البر" (٩).

قال ابن حجر: " والمراد: لا تجعل اليمين الذي حلفت أن لا تفعل خيراً-سواء كان ذلك من عمل أو (١٠) ترك سبباً يعتذر به عن الرجوع عما حلفت عليه خشية من الإثم المرتب على الحنث؛ لأنه لو كان إثماً حقيقة لكان عمل ذلك الخير رافعاً له بالكفارة المشروعة، ثم يبقى ثواب البر زائداً على ذلك (١١).

والـ (عُرْضَةً) في اللغة جاءت على معان عدة (١٢):

أحدها: العرضة النصبة، يقال جعلت فلانا عرضة لكذا، أي نصبة. قاله الجوهري.

والثاني: أن العرضة من الشدة والقوة، ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه، ولفلان عرضة أي قوة، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق (١٣):

مِنْ كُلِّ نَضَّاحةِ الذِّفْرَى إذَا عَرِقَتْ ... عُرْضَتُهَا طَامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ


(١) أسباب النزول: ١/ ٥٧٦.
(٢) تفسير الطبري (٤٣٦١): ص ٤/ ٤٢٢.
(٣) تفسير الطبري (٤٣٦٦): ص ٤/ ٤٢٣.
(٤) تفسير الكشاف: ١/ ٢٦٧. ومحاسن التأويل: ٢/ ١٠٩.
(٥) صفوة التفاسير: ١/ ١٢٧.
(٦) الكشاف: ١/ ٣٠٠
(٧) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩١. [بتصرف بسيط].
(٨) انظر: تفسير القرطبي: ٣/ ٩٨.
(٩) تفسير البغوي: ١/ ٢٦٢.
(١٠) لو أتى هنا بأَمْ بدل أو لكان أولى؛ لأن بعض النحويين لا يجيز (أو) بعد همزة التسوية الظاهرة كقوله-عز وجل-: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [البقرة: ٦]، والمحذوفة نحو قول الحافظ هنا. انظر: مغني اللبيب لابن هشام: ١/ ٤٣، البرهان للزركشي: ٤/ ١٨٦، دراسات لأسلوب القرآن الكريم د. عضيمة: القسم الأول: ١/ ٣٠١ - ٣٠٢.
(١١) الفتح: ١١/ ٥٣٠.
(١٢) انظر: فتح القدير: ١/ ٢٣٠.
(١٣) ديوانه: ٩. نضح الرجل بالعرق نضحا، فض به حتى سال سيلانًا. ونضاحة: شديدة النضح. والذفرى: الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، وهو من الناس والحيوان جميعا: العظم الشاخص خلف الأذن. وسيلان عرقها هناك، ممدوح في الإبل. والطامس: الدارس الذي أمحى أثره. والأعلام: أعلام الطريق، تبنى في جادة الطريق ليستدل بها عليه إذا ضل الضال. وأرض مجهولة: إذا كان لا أعلام فيها ولا جبال، فلا يهتدي فيها السائر. يقول: إذا نزلت هذه المجاهل، عرفت حينئذ قوتها وشدتها وصبرها على العطش والسير في الفلوات.

<<  <  ج: ص:  >  >>