للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} أي: "إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق نارا تأجج في بطونهم يوم القيامة" (١).

ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠].

وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يُجَرْجرُ في بطنه نار جهنم" (٢).

قال الزجاج: " المعنى: أن الذين يأكلونه يعذبون به، فكأنهم إنما أكلوا النار وكذلك قوله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} أي يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة" (٣).

قال المراغي: " أي إن أولئك الكاتمين لكتاب الله المتّجرين به، ما يأكلون في بطونهم من ثمنه إلا ما يكون سببا لدخول النار، وانتهاء مطامعهم بعذابها، وقد يكون المعنى: إنه لا تملأ بطونهم إلا النار أي لا يشبع جشعهم إلا النار التي يصيرون إليها على نحو ما جاء في الحديث «ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» (٤)، وهذا الحكم عامّ يصدق على المسلمين كما يصدق على غيرهم، فسنة الله مطردة في تأييد أنصار الحق وخذلان أهل الباطل" (٥).

قال ابن عثيمين: "والإشارة للبعيد {أُولَئِكَ} لبعد مرتبتهم، وانحطاطها، والتنفير منها" (٦).

قوله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة: ١٧٤]، " يعني: أولئك لا يكلمهم الله تكليم رضا" (٧).

قال ابن عثيمين: " فالنفي هنا ليس نفياً لمطلق الكلام؛ ولكنه للكلام المطلق - الذي هو كلام الرضا" (٨).

قال المراغي: " أي إن الله يعرض عنهم ويغضب عليهم، وقد جرت عادة الملوك إذا غضبوا أعرضوا عن المغضوب عليهم ولم يكلموهم، كما أنهم حين الرضا يلاطفون من يرضون عنه، ويقابلونه بالبشاشة والبشر" (٩).

قال القرطبي: "عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم، يقال: فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه" (١٠).

قال الطبري: "ولا يكلمهم بما يحبون ويشتهون، فأما بما يسُوءهم ويكرَهون، فإنه سيكلمهم، لأنه قد أخبر تعالى ذكره أنه يقول لهم - إذا قالوا: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} الآيتين [سورة المؤمنون: ١٠٧ - ١٠٨] " (١١).

قال الصابوني: " أي لا يكلمهم كلام رضىً كما يكلم المؤمنين بل يكلمهم كلام غضب كقوله {اخسئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] " (١٢).


(١) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٣ - ٤٨٤.
(٢) صحيح البخاري برقم (٥٦٣٤) وصحيح مسلم برقم (٢٠٦٥) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(٣) معاني القرآن: ١/ ٢٤٥.
(٤) صحيح البخاري (٦٠٧٢): ص ٥/ ٢٣٦٤.
(٥) تفسير المراغي: ٢/ ٥١.
(٦) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٦١.
(٧) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٦١.
(٨) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٦١.
(٩) تفسير المراغي: ٢/ ٥١.
(١٠) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٣٥.
(١١) تفسير الطبري: ٣/ ٣٣٠.
(١٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>