للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختلف الفقهاء في مقدار ما يحل للمضطر أكله من الميتة، على قولين (١):

أحدهما: له أن يأكل منها مقدار ما يمسك به رمقه، وهو أحد قولي الشافعي واختيار المزني.

والثاني: أن يأكل منها حتى يشبع.

قال مقاتل بن حيان: "لا يزداد على ثلاث لقم" (٢).

قال الشيخ ابن عثيمين: والله سبحانه وتعالى أباح لنا الميتة بثلاثة شروط (٣):

١ - الضرورة.

٢ - أن لا يكون مبتغياً – أي طاباً لها -.

٣ - أن لا يكون متجاوزاً للحد الذي تندفع به الضرورة.

وبناءً على هذا ليس له أن يأكل حتى يشبع إلا إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يجد سواها عن قرب؛ وهذا هو الصحيح؛ ولو قيل: بأنه في هذه الحال يأكل ما يسد رمقه، ويأخذ شيئاً منها يحمله معه - إن اضطر إليه أكل، وإلا تركه - لكان قولاً جيداً.

وفي أصل (البغي) في اللغة أقوال (٤):

أحدها: الفساد، وتجاوز الحد. قال الليث: "البغي في عدو الفرس اختيال ومروح، وأنه يبغي في عدوه ولا يقال: فرس باغ" (٥).

قال الزجاج: "يقال: بغى الجرح يبغي بغيا، إذا ترامى إلى فساد، هذا إجماع أهل اللغة" (٦).

قال الأصمعي: " يقال: بغى الجرح يبغي بغيا: إذا ترامى بالفساد" (٧).

والثاني: الظلم والخروج عن الإنصاف. ومنه قوله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون} [الشورى: ٣٩].

قال الأصمعي: يقال: " بغت السماء: إذا كثر مطرها حتى تجاوز الحد" (٨).

الثالث: الطلب. والعرب تقول خرج الرجل في بغاء إبلٍ له، أي في طلبها، ومنه قول الشاعر (٩):

لا يمنعنّك من بغاء الخير تعقادُ التمائم ... إن الأشائم كالأيامن، والأيامن كالأشائم

قال الزجاج: " ويقال: ابتغى لفلان أن يفعل كذا: أي صلح له أن يفعل كذا وكأنه قال: طلب فعل كذا فانطلب له، أي طاوعه، ولكن اجتزئ بقولهم - ابتغى" (١٠).

وقوله {ولا عاد}، فـ (العدو): "هو التعدي وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه، يقال: عدا عليه عدوا وعدوا وعدوانا وعدا واعتداء وتعديا: ظلمه ظلما مجاوزا للقدر، وعدا طوره: جاوز قدره" (١١).

قوله تعالى: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣]، "أي: فلا عقوبة عليه" (١٢).


(١) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٦.
(٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٤٦، وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.
(٣) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ١٠٦.
(٤) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٤٤، وتفسير الثعلبي: ٢/ ٤٥، والنكت والعيون: ١/ ٢٢٣، والتفسير البسيط: ٣/ ٥٠١، والمفردات: ٦٥ - ٦٦، والبحر المحيط: ١/ ٤٩٠.
(٥) انظر: التفسير البسيط: ٣/ ٥٠١.
(٦) معاني القرآن: ١/ ٣٤٤.
(٧) التفسير البسيط: ٣/ ٥٠١.
(٨) التفسير البسيط: ٣/ ٥٠١.
(٩) البيت من شواهد الزجاج في معانيالقرآن: ١/ ٢٤٤، والماوردي في النكت والعيون: ١/ ٢٢٣.
(١٠) معاني القرآن: ١/ ٢٤٤.
(١١) التفسير البسيط: ٣/ ٥٠١ - ٥٠٢، وانظر: "المفردات" ص ٣٢٨ - ٣٢٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٠.
(١٢) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>