للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن معنى ذلك: ما ذكر عليه غير اسم الله. وهذا قول الربيع بن أنس (١)، وابن زيد (٢)، وعقبة بن مسلم التُّجيبي (٣)، وقيس بن رافع الأشجعي (٤).

قال الكلبي: "وإن ذبحه مسلم لم يحل أكله، وقال أهل العلم: لو أن مسلما ذبح ذبيحة وقصد بذبحها التقرب إلى غير الله صار مرتدا، وذبيحته ذبيحة مرتد (٥)، وهذا الحكم في غير ذبائح أهل الكتاب، وذبائحهم تحل لنا، لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة: ٥] " (٦).

قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣]، أي: فمن "ألجأته الضرورة للأكل" (٧).

قال الصابوني: " أي فمن ألجأته ضرورة إلى أكل شيء من المحرمات" (٨).

قال الرازي: أي: فمن "أحوج وألجىء، وهو افتعل من الضرورة، وأصله من الضرر، وهو الضيق" (٩).

قال ابن كثير: " ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها، عند فقد غيرها من الأطعمة" (١٠).

قال الطبري: " والضرورة فوق الحاجة؛ فالحاجة كمال؛ والضرورة ضرورية يكون الضرر منها، قال الطبري: " فمن حَلَّت به ضَرورة مجاعة إلى ما حرَّمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله - وهو بالصفة التي وصفنا - فلا إثم عليه في أكله إن أكله" (١١).

قال ابن كثير: "يقول: فمن أكره على أكله "بغير اختياره" (١٢)، فأكله.

وفي قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣]، وجهان من التفسير (١٣):

أحدهما: أن المراد: فمن أكره على أكله فأكله فلا إثم عليه، وهذا مذهب مجاهد، إذ قال: " الرجل يأخذُه العدو فيدعونه إلى معصية الله" (١٤).

والثاني: أن المعنى: فمن احتاج إلى أكله لضرورة دعته من خوف على نفس فلا إثم عليه، وهو قول الجمهور.

وفي قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣]، قراءتان (١٥):

إحداهما: {فمنُ اضطر} بضم النو، قرأ بها نافع، وابن كثير، وابن عامر والكسائي.

والثانية: وقرأ الباقون بالكسر.

فالضم للاتباع لضمة (الطاء)، والكسر على أصل الحركة لإلتقاء الساكنين، أنه إذا التقى ساكنان كسر الأول منهما (١٦).

فلما حرم الله تعالى تلك الأشياء، استثنى عنها حال الضرورة، وهذه الضرورة لها سببان أحدهما: الجوع الشديد، وأن لا يجد مأكولا حلالا يسد به الرمق، فعند ذلك يكون مضطرا الثاني: إذا أكرهه على تناوله مكره، فيحل له تناوله (١٧).

قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣]، " أي: في غير بغي ولا عدوان، وهو مجاوزة الحد" (١٨).

واختلف في قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣]، على ثلاثة أقاويل (١٩):

أحدها: غير باغ على الإمام ولا عاد على الأمة بإفساد شملهم، فيدخل الباغي على الإمام وأمته والعادي: قاطع الطريق، وهو معنى قول مجاهد (٢٠)، وسعيد بن جبير (٢١).

واعترض الإمام الطبري على هذا القول وقد ساق حجتين في ذلك (٢٢):

إحداها: أن الباغي والعادي، وإن كان كلاهما قد أتى فعلا محرمًا، فإن إتيان هذا الفعل المحرم، لا يجعل قتل أنفسهما مباحًا لهما، إذ هو محرم عليهما قبل إتيانهما ما أتيا من محارم الله عليهما.

والثانية: أن الله قد رخص لكل مضطر أن يأكل مما حرم عليه، فاستثناء الباغي والعادي من رخصة الله للمضطر. لا يعد عنده تحريمًا، بل هو رد إلى ما كان محرمًا عليهما قبل البغي أو العدوان. ومع ذلك فإن هذا الرد إلى ما كان محرمًا عليهما، وإن كان قد حرم عليهما ما كان مرخصًا لهما ولكل مضطر قبل البغي والعدوان، فإنه لا يرخص لهما قتل أنفسهما، وهو حرام عليهما قبل البغي والعدوان.

إذن، فالواجب عليهما أن يتوبا، لا أن يقتلا أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إثمًا إلى إثمهما، وخلافًا إلى خلافهما بالبغي والعدوان أمر الله.

والثاني: غير باغ في أكله فوق حاجته ولا عاد يعني متعدياً بأكلها وهو يجد غيرها، وهو قول قتادة (٢٣)، والحسن (٢٤)، وعكرمة (٢٥)، والربيع (٢٦)، وابن زيد (٢٧).

والثالث: غير باغٍ في أكلها شهوة وتلذذاً ولا عاد باستيفاء الأكل إلى حد الشبع، وهو قول السدي (٢٨).

والراجح أن {الباغي}، هو الطالب لأكل الميتة من غير ضرورة؛ و (العادي) هو المتجاوز لقدر الضرورة؛ يؤيده قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: ٣].


(١) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٥): ص ٣/ ٣٢١.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٦): ص ٣/ ٣٢١.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٧): ص ٣/ ٣٢١.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٧): ص ٣/ ٣٢١.
(٥) انظر: "المغني" ١٢/ ٢٧٦, و"القول المفيد شرح كتاب التوحيد" ١/ ٢١٤.
(٦) التفسير البسيط: ٣/ ٥٠٠، وتفسير الثعلبي: ٢/ ٤٥.
(٧) تفسير الطبري: ٣/ ٣٢١.
(٨) صفوة التفاسير: ١/ ١٠٢.
(٩) مفاتيح الغيب: ٥/ ١٣.
(١٠) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.
(١١) تفسير الطبري: ٣/ ٣٢١.
(١٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.
(١٣) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣٢١ - ٣٢٢.
(١٤) أخرجه الطبري (٢٤٧٨): ص ٣/ ٣٢١.
(١٥) انظر: السبعة في القراءات: ١٧٤ - ١٧٦، ومفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٢، والتفسير البسيط: ٣/ ٥٠٠.
(١٦) انظر: مفاتيح الغيب: ٥/ ١٩٢.
(١٧) انظر: مفاتيح الغيب: ٥/ ١٢.
(١٨) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.
(١٩) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣٢٢ - ٣٢٥ وتفسير ابن كثير: ١/ ٤٨٢.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٩)، و (٢٤٨٠)، و (٢٤٨٤) و (٢٤٨٥)، و (٢٤٨٦): ص ٣/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٢١) انظر: تفسير الطبري (٢٤٨١)، و (٢٤٨٢)، و (٢٤٨٣): ص ٣/ ٣٢٢ - ٣٢٣.
(٢٢) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣٢٥.
(٢٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٨٧): ص ٣/ ٤٢٤.
(٢٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤٨٨)، و (٢٤٨٩): ص ٣/ ٤٢٤.
(٢٥) انظر: تفسير الطبري (٢٤٩٠): ص ٣/ ٤٢٤.
(٢٦) انظر: تفسير الطبري (٢٤٩١): ص ٣/ ٤٢٤.
(٢٧) انظر: تفسير الطبري (٢٤٩٢): ص ٣/ ٤٢٤.
(٢٨) انظر: تفسير الطبري (٢٤٩٣): ص ٣/ ٤٢٤ - ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>