للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عثيمين: "المراد ما ذكر عليه اسم غير الله عند ذبحه مثل أن يقول: (باسم المسيح)، أو (باسم جبريل)، أو (باسم اللات)، ونحو ذلك" (١).

قال الزجاج: " أي ما رفع فيه الصوت بتسمية غير الله عليه وهذا موجود في اللغة، ومنه الإهلال بالحج إنما هو رفع الصوت بالتلبية" (٢).

و(الإهلال) هو رفع الصوت (٣).

قال الأصمعي: "الإهلال: أصله رفع الصوت، فكل رافع صوته فهو مهل، قال ابن أحمر (٤):

يهل بالفرقد ركبانها ... كما يهل الراكب المعتمر

هذا معنى الإهلال في اللغة، ثم قيل للمحرم: مهل، لرفعه الصوت بالتلبية، يقال: أهل فلان بحجة أو عمرة، أي: أحرم بها؛ وذلك لأنه يرفع الصوت بالتلبية عند الإحرام، والذابح مهل، وذلك لأنه كان يسمي الأوثان عند الذبح، ويرفع صوته بذكرها" (٥).

ومنه الحديث: "إذا استهل المولود ورث" (٦).

قال الطبري: قيل أن العرب كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرَّبوه لآلهتهم، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجَهروا بذلك أصْواتَهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك، حتى قيل لكل ذابح، سمَّى أو لم يُسمِّ، جهر بالتسمية أو لم يجهر: (مُهِلٌّ)، فرفعهم أصواتهم بذلك هو (الإهلال) الذي ذكره الله تعالى فقال: {وما أهِلَّ به لغير الله}، ومن ذلك قيل للملبِّي في حَجة أو عمرة {مُهِلّ}، لرفعه صوته بالتلبية، واستهلال المطر، وهو صوت وُقوعه على الأرض، كما قال الشاعر (٧):

ظَلَمَ البِطَاحَ لَهُ انْهِلالُ حَرِيصَةٍ ... فَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ المُقْلَعِ (٨)

وقد تعددت عبارات أهلهم العلم في تفسير قوله تعالى: {وما أهلَّ به لغير الله} [البقرة: ١٧٣]، على وجهين:

أحدهما: أنه يعني: ما ذبح لغير الله. وهذا قول ابن عباس (٩)، وقتادة (١٠)، ومجاهد (١١)، والضحاك (١٢)، وعطاء (١٣).


(١) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٩٩.
(٢) معاني القرآن: ١/ ٢٤٣.
(٣) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٢٤٣.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٦٦، "مجاز القرآن" ١/ ١٥٠، "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١٧٣، "تفسير السمعاني" ٢/ ١٣٠، الثعلبي ١/ ١٣٤٦، "لسان العرب" ٣/ ١٥٩٥، و ١٧١٤، ٥/ ٣١٠٢.
واسمه عمرو بن أحمر بن العمرو بن تميم بن ربيعة الباهلي، أبو الخطاب، أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازي الروم، وأصيبت إحدى عينيه هناك، ونزل الشام، وتوفي على عهد عثمان، وهو صحيح الكلام، كثير الغرائب. ينظر: "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٧١، و ٥٨٠، و"الشعر والشعراء" ص ٢٢٣.
(٥) التفسير البسيط: ٣/ ٤٩٩، وانظر: في الإهلال: تفسير الطبري" ٣/ ٣١٩، والثعلبي: ٢/ ٤٤، والمفردات" ص ٥٢٢، واللسان" ٨/ ٤٦٨٩.
(٦) أخرجه أبو داود ص ١٤٤١، كتاب الفرائض، باب ١٨: في المولود يستهل ثم يموت، حديث رقم ٢٩٢٠، وأخرجه بطريق آخر ابن ماجة ص ٢٦٤٢، كتاب الفرائض، باب ١٧: إذا استهل لمولود ورث، حديث رقم ٢٧٥١؛ وقال الألباني في الإرواء: سنده صحيح (٦/ ١٤٩)؛ فالحديث صحيح بشواهده [راجع الإرواء ٦/ ١٤٧ – ١٥٠، حديث رقم ١٢٠٧ والسلسلة الصحيحة للألباني ١/ ٢٣٣ – ٢٣٥، أحاديث رقم ١٥١، ١٥٢، ١٥٣].
(٧) البيت الحادرة الذبياني، انظر: ديوانه: قصيدة: ٤، البيت رقم: ٧، وشرح المفضليات: ٥٤. والبطاح جمع بطحاء وأبطح: وهو بطن الوادي. وأنهل المطر انهلالا: اشتد صوبه ووقعه. والحريصة والحارصة: السحابة التي تحرص مطرتها وجه الأرض، أي تقشره من شدة وقعها. والنطاف جمع نطفة: وهي الماء القليل يبقى في الدلو وغيره. وقوله: " بعيد المقلع ": أي بعد أن أقلعت هذه السحابة. ورواية المفضليات: " ظلم البطاح له " وقوله: " له ": أي من أجله.
(٨) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧١): ص ٣/ ٣٢٠.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٢٤٦٨): ص ٣/ ٣٢٠.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٠): ص ٣/ ٣٢٠.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٢): ص ٣/ ٣٢٠.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٧٤): ص ٣/ ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>