للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالهم}، ومعنى {أضل أعمالهم}: لم يجازهم على ما عملوا من خير، وهذا كما تقول لمن عمل عملا لم يعد عليه فيه نفع: لقد ضل سعيك" (١).

قال الثعلبي: " أي كما أراهم العذاب، كذلك يريهم الله أعمالهم ندامات" (٢).

قال الزمخشري: " معناه أن أعمالهم تنقلب حسرات عليهم فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم" (٣).

وقوله {كذلك}: أي: " مثل ذلك الآراء الفظيع" (٤)، فـ (الكاف): اسم بمعنى «مثل»؛ وهي مفعول مطلق عامله الفعل بعده؛ وهذا كثيراً ما يأتي في القرآن، كقوله تعالى: {وكذلك يفعلون} [النمل: ٣]، وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} [البقرة: ١٤٣] (٥).

قال القرطبي:{يُرِيهِمُ اللَّهُ} قيل: هي، من رؤية البصر، فيكون متعديا لمفعولين: الأول الهاء والميم في {يريهم}، والثاني {أعمالهم}، وتكون {حسرات} حال، ويحتمل أن يكون من رؤية القلب، فتكون "حسرات" المفعول الثالث" (٦).

وقد ذكر الرازي: أن قوله تعالى {كذالك يُرِيهِمُ} فيه وجهان (٧):

الأول: كتبرؤ بعضهم من بعض يريهم الله أعمالهم حسرات وذلك لانقطاع الرجاء من كل أحد.

الثاني: كما أراهم العذاب يريهم الله أعمالهم حسرات، لأنهم أيقنوا بالهلاك.

وكذلك اختلف أهل التفسير في المراد بقوله {أَعْمَالَهُمْ} [البقرة: ١٦٧]، على أقوال (٨):

الأول: الطاعات، يتحسرون لم ضيعوها. قاله السدي (٩)، وعبدالله (١٠).

واعترض عليه الإمام الطبري قائلا: " والذي قال السدي في ذلك، وإن كان مَذهبًا تحتمله الآية، فإنه مَنزع بعيد، ولا أثر - بأنّ ذلك كما ذكر - تقوم به حُجة فيسلم لها، ولا دلالة في ظاهر الآية أنه المراد بها. فإذْ كان الأمر كذلك، لم يُحَلْ ظاهر التنزيل إلى باطن تأويل" (١١).

الثاني: المعاصي وأعمالهم الخبيثة، يتحسرون لم عملوها. قاله الربيع (١٢)، وابن زيد (١٣).

واختاره الإمام الطبري قائلا: " كذلك يُرِي الله الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم، لم عملوا بها؟ وهلا عملوا بغيرها؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرديئة، إذ رأوا جزاءها من الله وعقابها، لأن الله أخبر أنه يريهم أعمالهم ندمًا عليهم، فالذي هو أولى بتأويل الآية، ما دلّ عليه الظاهرُ دون ما احتمله الباطن الذي لا دلالة له على أنه المعنيُّ بها" (١٤).

الثالث: ثواب طاعاتهم التي أتوا بها فأحبطوه بالكفر. وهذا قول الأصم (١٥).

الرابع: أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم (١٦).


(١) معاني القرآن: ١/ ٢٤٠.
(٢) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٧. [بتصرف بسيط].
(٣) الكشاف: ١/ ٢١٢.
(٤) تفسير البيضاوي: ١/ ١١٨.
(٥) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٣١.
(٦) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧.
(٧) انظر: مفاتيح الغيب: ٤/ ١٨١.
(٨) انظر: مفاتيح الغيب: ٤/ ١٨١. وتفسير الطبري: ٣/ ٢٩٦ - ٢٩٨.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٢٤٣٤): ص ٣/ ٢٩٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٢٤٣٥): ص ٣/ ٢٩٦ - ٢٩٧.
(١١) تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٩.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤٣٦): ص ٣/ ٢٩٨.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٣٧): ص ٣/ ٢٩٨.
(١٤) تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
(١٥) انظر: مفاتيح الغيب: ٤/ ١٨١.
(١٦) انظر: مفاتيح الغيب: ٤/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>