للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (الكرة): أي: "الرجعة والعودة إلى حال قد كانت" (١).

قال قتادة: في قوله تعالى: {لو أن لنا كرة}، "أي: لنا رجعةً إلى الدنيا" (٢). وروي عن الربيع (٣) مثل ذلك.

قال ابن عثيمين: " والمراد هنا: الرجوع إلى الدنيا؛ فنتبرأ منهم في الدنيا إذا رجعنا كما تبرءوا منا هنا في الآخرة؛ فنجازيهم بما جازونا به؛ لكن أنى لهم ذلك! ! ! فهذا التمني لا ينفعهم" (٤).

قال الطبري: (الكرَّة): المرة الواحدة، وذلك إذا حمل عليهم راجعًا عليهم بعد الانصراف عنهم" (٥)، ومنه قول الأخطل (٦):

وَلَقَدْ عَطَفْنَ عَلَى فَزَارَةَ عَطْفَةً ... كَرَّ الْمَنِيحِ، وَجُلْنَ ثَمَّ مَجَالا

قوله تعالى: {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا} [البقرة: ١٦٧]، أي: "لتبرأنا منهم كما تبرَّأوا منا في الآخرة" (٧).

قال الطبري: " أرادوا أن يتبرأوا "من الذين من كانوا يطيعونهم في معصية الله، كما تبرأ منهم رؤساؤهم الذين كانوا في الدنيا، المتبوعون فيها على الكفر بالله، إذْ عاينوا عَظيم النازل بهم من عذاب الله" (٨).

قال القرطبي: " والتبرؤ الانفصال" (٩).

قال ابن كثير: " وهم كاذبون في هذا [التمني}، بل لو رُدّوا لعادوا لما نهوا عنه. كما أخبر الله تعالى عنهم بذلك؛ ولهذا قال: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} أي: تذهب وتضمحل كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} الآية [إبراهيم: ١٨]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} الآية [النور: ٣٩] " (١٠).

قوله تعالى {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: ١٦٧]، أي: "كما أراهم الله العذاب، فكذلك يُريهم أيضًا أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم" (١١).

قال الصابوني: " أي: أنه تعالى كما أراهم شدة عذابه كذلك يريهم أعمالهم القبيحة ندامات شديدة وحسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم" (١٢).

قال الزجاج: " أي كتبري بعضهم من بعض يريهم الله أعمالهم حسراب عليهم لأن ما عمله الكافر غير نافعه مع كفره، قال الله عز وجل: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم}، وقال: [حبطت


(١) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٠٦.
(٢) أخرجه الطبري (٢٤٣٢): ص ٣/ ٢٩٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤٣٣): ص ٣/ ٢٩٤.
(٤) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٢٣٠.
(٥) تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٣.
(٦) ديوانه ٤٨، ونقائض جرير والأخطل: ٧٩. وفي المطبوعة: " كر المشيح "، وهو خطأ وفي الديوان " على قدارة "، وهو خطأ. وفزارة بن ذبيان بن بغيض. والمنيح: قدح لاحظ له في الميسر، وأقداح الميسر سبعة دوات أنصباء، وأربعة لا نصيب لها مع السبعة، ولكنها تعاد معها في كل ضربة. وقوله: " عطفن " يعني الخيل، ذكرها في بيت قبله.
(٧) تفسير الطبراني: ١/ ١١٠.
(٨) تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٤.
(٩) تفسير القطربي: ٢/ ٢٠٦.
(١٠) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٧٨.
(١١) تفسير الطبري: ٣/ ٢٩٤. [بتصرف بسيط].
(١٢) صفوة التفاسير: ١/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>