للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن هذا من كمال عزه، وسلطانه، وعدله، وحكمته؛ لأنه أنذر مستحق العذاب، وأعذر منهم بإرسال الرسل؛ فلم يبق لهم حجة توجب تخفيف العذاب عنهم؛ فلو رحم هؤلاء الكافرين به لكان لا فرق بينهم والمؤمنين به.

وشدة عذاب الله لهؤلاء مذكور في القرآن، والسنة: قال الله تعالى: {وإن يستغيثوا} [الكهف: ٢٩] أي أهل النار {يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه} [الكهف: ٢٩]؛ فما بالك لو وصلت إلى الأمعاء؟ ! ! ؛ ولهذا قال تعالى في آية أخرى: {وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم} [محمد: ١٥]؛ ومع ذلك تتقطع، وتلتئم بسرعة كما قال تعالى في جلودهم: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها} [النساء: ٥٦]؛ و {كلما} تفيد التكرار؛ وجوابها يفيد الفورية؛ والحكمة: {ليذوقوا العذاب} [النساء: ٥٦]؛ وقال تعالى: {إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم * خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} [الدخان: ٤٣ - ٤٨]؛ ويقال له أيضاً: تبكيتاً، وتوبيخاً، وتنديماً، وتلويماً، {ذق}؛ ويذكّر أيضاً بحاله في الدنيا فيقال له: {إنك أنت العزيز الكريم}؛ فحينئذ يتقطع ألماً، وحسرة؛ ولا شك أن المؤمنين يسرون بعذاب أعداء الله؛ فعذابهم رحمة للمؤمنين، كما قال تعالى: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون}.

القرآن

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦)} [البقرة: ١٦٦]

التفسير:

عند معاينتهم عذاب الآخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم على الشرك، وتنقطع بينهم كل الصلات التي ارتبطوا بها في الدنيا: من القرابة، والاتِّباع، والدين، وغير ذلك.

قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: ١٦٦]، أي إذ" تبرأ الرؤساء من الأتباع" (١).

قال أبو العالية: " تبرأت القادة من الأتباع يوم القيامة إذا رأت العذاب" (٢). وروي عن الربيع (٣)، وعطاء (٤)، وقتادة (٥)، نحو ذلك.

قال البيضاوي: " أي إِذ تبرأ المتبوعون من الأتباع" (٦).

قال الزجاج: " يعني به: السادة والأشراف من الأتباع والسفلة" (٧).

قال القرطبي: أي: "السادة والرؤساء تبرؤوا ممن اتبعهم على الكفر" (٨).

قال ابن عطية: " وتبريرهم هو بأن قالوا إنّا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم، وتعلق العقاب على المتبعين بكفرهم ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على المضلين" (٩).

وقد اختلف أهل التأويل في الذين عَنى الله تعالى ذكره بقوله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ}، على أقوال (١٠):

أحدها: أن المعنى: "تبرأت القادةُ من الأتباع يوم القيامة". قاله الربيع (١١)، وعطاء (١٢)، وقتادة (١٣)، وأبو العالية (١٤).


(١) صفوة التفاسير: ١/ ٩٩.
(٢) أخرجه ابن أي حاتم (١٤٨٩): ص ١/ ٢٧٧.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٤): ص ٣/ ٢٨٧.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٥): ص ٣/ ٢٨٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٣): ص ٣/ ٢٨٧.
(٦) تفسير البيضاوي: ١/ ١١٨.
(٧) معاني القرآن: ١/ ٢٣٩. [بتصرف بسيط].
(٨) تفسير القرطبي: ٢/ ٢٠٦.
(٩) المحرر الوجيز: ١/ ٢٣٦.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٣/ ٢٨٧ - ٢٨٨.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٤): ص ٣/ ٢٨٧.
(١٢) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٥): ص ٣/ ٢٨٧.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٢٤١٣): ص ٣/ ٢٨٧.
(١٤) انظر: تفسير ابن أي حاتم (١٤٨٩): ص ١/ ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>