للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحسن: " يقول الله لمحمد: ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب، إنك ستراهم إذ يرون العذاب وحينئذ يعلمون أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب" (١).

قال الربيع: " يقول: لو عاينوا العذاب" (٢)، وروي عن أبي العالية (٣) مثل ذلك.

وقال قتادة: " العذاب أي: عقوبة الآخرة" (٤).

قال ابن كثير: أي: "لو عاينوا العذاب لعلموا وأيقنوا حينئذ أن القوة لله جميعًا" (٥).

قال السعدي: أي "يوم القيامة حين يرون العذاب عيانا بأبصارهم، فيعمون بأن المختص بالقوة الكاملة من جميع الوجوه هو الله" (٦).

قال الطبري: أي: " ولو ترى، يا محمد، الذين ظلموا أنفسهم، فاتخذوا من دوني أندادًا يحبونهم كحبكم إياي، حين يُعاينون عَذابي يومَ القيامة الذي أعددتُ لهم، لعلمتم أن القوة كلها لي دُون الأنداد والآلهة، وأنّ الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئًا" (٧).

قال البيضاوي: أي: " ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد، إِذ عاينوا العذاب يوم القيامة، لعلموا أن القوة لله كلها، لا ينفع ولا يضر غيره. وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ} " (٨).

و(الظالمون): "أي الذين نقصوا الله حقه، حيث جعلوا له أنداداً؛ وهم أيضاً ظلموا أنفسهم - أي نقصوها حقها -؛ لأن النفس أمانة عندك يجب أن ترعاها حق رعايتها؛ ولهذا قال تعالى: {قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها} [الشمس: ٩، ١٠]؛ فالنفس أمانة عندك؛ فإذا عصيت ربك فإنك ظالم لنفسك" (٩).

وأصل: (الظلم) في كلام العرب: "وضعُ الشيء في غير موضعه، ومنه قول نابغة بني ذبيان (١٠):

إِلا أُوَارِيَّ لأيًا مَا أُبَيِّنُهَا ... وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ

فجعل الأرض مظلومة، لأن الذي حفر فيها النؤى حَفر في غير موضع الحفر، فجعلها مظلومة، لموضع الحفرة منها في غير موضعها، ومن ذلك قول ابن قَميئة في صفة غيث (١١):

ظَلَمَ الْبِطَاحَ بِهَا انْهِلالُ حَرِيصَةٍ ... فَصَفَا النِّطَافُ لَهُ بُعَيْدَ الْمُقْلَعِ

وظلمه إياه: مجيئه في غير أوانه، وانصبابه في غير مصبِّه. ومنه: ظَلم الرجلُ جَزوره، وهو نحره إياه لغير علة. وذلك عند العرب وَضْع النحر في غير موضعه" (١٢).

والمشرك ظالم، لأنه وضع العبادة التي هي حق لله تعالى وحده، وضعها في المخلوق الضعيف الفقير، أو وضعها لصنم أو حجر أو شجر، ولأجل هذا البيان فإن القرآن يكثر الله فيه إطلاق الظلم على الشرك،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (١٤٨٧) و (١٤٨٥): ص ١/ ٢٧٧.
(٢) أخرجه الطبري (٢٤١٢): ص ٣/ ٢٨٦.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (١٤٨٦): ص ١/ ٢٧٧.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٤٨٨): ص ١/ ٢٧٧.
(٥) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٧٦.
(٦) تفسير السعدي: ١/ ٧٩. [بتصرف بسيط].
(٧) تفسير الطبري: ٣/ ٢٨٦.
(٨) تفسير البيضاوي: ١/ ١١٧. [بتصرف بسيط].
(٩) تفسير ابن عثيمين: ٢/ ٩٨.
(١٠) ديوانه: ٢٣، والجلد: الأرض الصلبة، يعني أنها لا تنبت شيئًا فلا يرعاها أحد.
(١١) البيت له في تفسير الطبري: ١/ ٥٢٤، جاء أيضًا في تفسيره: ٢/ ٥٠ منسوبًا لعمرو بن قميئة. وصحة نسبته إلى الحادرة الذبياني، وهو في ديوان الحادرة، قصيدة: ٤، البيت رقم: ٧، وشرح المفضليات: ٥٤. والبطاح جمع بطحاء وأبطح: وهو بطن الوادي. وأنهل المطر انهلالا: اشتد صوبه ووقعه. والحريصة والحارصة: السحابة التي تحرص مطرتها وجه الأرض، أي تقشره من شدة وقعها. والنطاف جمع نطفة: وهي الماء القليل يبقى في الدلو وغيره. وقوله: " بعيد المقلع ": أي بعد أن أقلعت هذه السحابة. ورواية المفضليات: " ظلم البطاح له " وقوله: " له ": أي من أجله.
(١٢) تفسير الطبري: ١/ ٥٢٣ - ٥٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>