للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد بينه أولاً لكنه معنون بعنوان (١) آخر، مع أن علماء هذا الشأن عمومًا والحافظ الترمذي خصوصًا لا يبالون بالتكرار، قوله [يجزئ في الوضوء رطلان] المراد بإيراده ههنا بيان أن ما قدمنا في بيان مقدار الماء في الوضوء ليس (٢) تحديدًا لا يجوز الزيادة عليه أو النقص منه، إذ قد ثبتت الزيادة على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يعلم من ههنا صحة ما ذهب إليه الإمام من أن الصاع ثمانية أرطال لأنه أربعة أمداد، والمد مختلف فيه، فبيانه صلى الله عليه وسلم ماء الوضوء بقوله رطلان، بيان مراده بالمد، فقد قال الراوي ابن جبر عن أنس راوي حديث: يجزئ في الوضوء رطلان من ماء، عن أنس أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي، والمكوك مشترك بين المد والصاع، وقرينته مقابلته بخمسة مكاكي، يعين المد ههنا، فهل لا يلزم من ذلك كون المد رطلين وإلا خولف بين روايتيه عن أنس، وحاصله أن ابن جبر روى عن أنس أن ماء الوضوء رطلان، وهو يروي عن أنس وضوءه بالمكوك ولا يمكن حمل المكوك ههنا على الصاع، لأن وضوءه بالصاع لم يثبت في شيء من الروايات فوجب حمله على المد فكان المد رطلين، ولا تخالف رواياته، ولكن للمخالف أن يقول: إن أنسًا إنما روى عنه فعلين مختلفين فلا يجب حملهما على محمل واحد، فإنه صلى الله عليه وسلم توضأ بالمد مرة وبرطلين أخرى، والصحيح في الاستدلال ما روى عنه أنه توضأ بالمد (٣)


(١) فإنه بوب في كتاب الطهارة باب الوضوء بالمد.
(٢) حكى القارئ الإجماع على ذلك، وحكاه ابن قدامة عن أكثر أهل العلم وذكر فيه خلاف أبي حنيفة ولا يصح، وحكى ابن رسلان فيه خلاف ابن شعبان من المالكية.
(٣) أخرجه الطحاوي وغيره، وبسط الشيخ في البدل الكلام على هذه الروايات.

<<  <  ج: ص:  >  >>