للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو كما قال، فلما كان كذلك تعارضت الأخبار لا محالة، والجواب أن روايات فصل الصحابة ناطقة على فضلهم الكلي نسبة إلى من بعد، وأما رواية الباب فإنما المراد بها الفضيلة الجزئية، ولا يبعد أن يكون في آخر الأمة من يربو على الأولين بصفة لم تكن فيهم، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا دون في أيامهم من المسائل الشرعية والأصول الفقهية ما دون في أيام الفقهاء المجتهدين رضي الله عنهم، فلا ضير في أن يحكم بأن هذا الزمان أفضل من ذاك في هذه الفضيلة، ولا يلزم بذلك إساءة أدب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلى يوم القيام، ولا تفضيل لهؤلاء عليهم حتى يرد مخالفة الآثار المروية في إثبات فضل هؤلاء العظام، وفي حديث الباب إشارة إلى ما قلنا، فإن التشبيه لما وقع بالمطر كان أول الأمة كأوله وآخرها كآخره، ولا يخفى على من له أدنى ممارسة بعاداته سبحانه بأصحاب الزراعة أن ماء الربع (١) إنما هو أول المطر فلا يمكن أن يبذر في الأرض فتنبت من غير مطر، وأما إذا مطر السماء أولاً فإن الزرع قد تنبت ثم بعد ذلك قد يفيد المطر وقد يضر، وثم وثم، فلا ضير في أن يفضل بعض من الأمطار الآخرية على الأمطار الأولية، ولو حمل مقال ابن عبد البر على تقريرنا لكان موافقًا للجمهور، قلت: ولا يبعد (٢) أن يقال: إن


(١) كذا في الأصل، والصواب على الظاهر الربيع.
(٢) وبهذا التوجيه جزم بعض من سلف أيضًا، وعلى هذا فيكون المراد بحديث المطر المشعر بالتردد من بعد القرون الثلاثة المقطوعة بخيريتهم أو من بعد الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>