لأنه منع السيد منه فامتنع عليه، فإذا أذن له شافعي فيه، لم يعتد به لأن فيه نقصاً للحكم الأول، وليس للشافعي أيضا الحكم بصحة بيعه لو وقع، فإن حكم، وقع باطلا بقضية الحكم الأول.
إذا تقرر ذلك، علم منه أن حكم الحنفي بموجب هذا الوقف متضمن لحكمه بامتناع إجارته مدة لا يجيزها الحنفي، لأن هذا أثر من آثار حكمه، وقد دخل وقته فصار كأنه وجه حكمه إليه. وحينئذ فليس لشافعي الحكم بما يخالف ذلك، لأن فيه نقضا لحكم الحنفي وعلى التنزل، وإن حكم الحنفي لا يشمل ذلك، فإجارة الناظر الوقف مائة سنة من غير احتياج لذلك باطلة، كما حرره الولي أبو زرعة في فتاويه حيث قال: وما يفعله حكام مكة من إجارة دور الوقف الخربة الساقطة مائة سنة أو نحوها عند الاحتياج لأجرة المدة المذكور لأجل العمارة، حسن يسوغ اعتماده إذا لم يكن للوقف حاصل يعمر به، ولا وجد من يقرضه القرض المحتاج إليه للعمارة بأقل من أجرة المدة المذكورة، فإنه لا معنى لإجارته مدة مستقلة بأجرة حالة من غير احتياج لذلك. انتهى.
فإجارة المدة المذكورة باطلة عند الشافعي أيضاً، على أن الأذرعي قال: لا تجوز إجارة الوقف مائة سنة مثلاً مطلقاً، لأنه يؤدي إلى استهلاك الوقف. فالحاصل إجارة الوقف المدة المذكورة باطلة عند الحنفي على كل تقدير، والله أعلم.
ومنه: واستفتي في هذا الحكم، إذا رفع إلى حاكم آخر، هل يسوغ له نقضه - يعني حكم الأذرعي - أو تنفيذه؟
فأجاب جماعة من جميع المذاهب بأنه ليس له نقضه، ومنهم من الحنابلة من علل بأنه من المختلف فيه، والحاكم إذا حكم في مسألة الخلاف يرتفع الخلاف، وكتبه يوسف بن محمد.
قلت: لعله القاضي جمال الدين المرداوي. ثم قال: وقال السبكي: