تبين مما تقدم، وذلك بدرجة الكفاية، تأثيرُ الغرب المخرِّب في الشرق في الوقت الحاضر، ولا يوجد ما يسوغ به الأوربيون شرهم وطمعهم سوى المبدأ الذي لم يعرِف التاريخ غيره، وهو حق الأقوى، والإيمان بهذا الحق المهيمن وحده هو الذي لا يزال قائمًا من بين عقائد الأجيال المسنَّة، ولدى الشعوب الحديثة ما يَشْغَلها من الهموم الخَطِرة عن التفكير في تمدين الأمم الأخرى ما اضطُرت إلى النظر في أمور عيشها قبل كل شيء، ولن يكون للأمم من الحقوق في التنازع الحاضر الذي يزيد كل يوم إلا بنسبة ما عندها من المقاتلين والمدافع، واليوم لا أمل لأحد في المحافظة على غير ما يَقدِر على الدفاع عنه، فإما غالبٌ، وإما مغلوبٌ، وإما صيادٌ، وإما قنيصةٌ، وهذه هي سُنَّة الأزمنة الحديثة، ولا قيمة لكلمة العدل والإنصاف في علاقات الأمم بعضها ببعض، ولا مُؤيِّد لها، وهي من الألفاظ المبهمة المشابهة لاحتياجاتنا المبتذلة التي يستعملها العالم بأسره فتنتهي بها رسائلنا من غير أن تخدع إنسانًا.
واليوم يحدِّثُنا الشعراء عن العصر الذهبي الذي يسود الناسَ فيه إخاءٌ عام، وإنني أشك في وجود مثل هذا العصر في أي زمنٍ كان، وهو إن وجد تلاشى إلى الأبد، ولم يرن قول برينوس «ويل للمغلوب! »، حينما هدد رومة بخرابها، أكثرَ مما في الساعة الحاضرة، فالإنسان قد دخل دورًا من الحديد والنار لا بد من هلاك كل ضعيف فيه.