للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لانتظام الصوت لا لحلاوة النغم.

تقارب من زحفيهم فكأنما ... تؤلف من أعناق وحشٍ منفر

فمارت حتى أجلت الحرب عن طلى ... مقطعةٍ منهم وهامٍ مطير

على حين لا نقعٌ تطرحه الصبا ... ولا أرض تلفى للصريع المقطر (١)

وهذا البيت الأخير من التفاتات البحتري البارعة، ومن سهله الممتنع.

وقد أتيح للطويل بعد البحتري شاعرٌ آخر بلغ به غايات بعيدة في صفات الملاحم وذلك هو أبو الطيب، وشعره في هذا الباب من الكلم البواقي. وقد أنصفه الدكتور طه حسين حق الإنصاف في معراض كلامه عن سيفياته، فلا أجد من طائل في تطويل الكلام بذكر اختيارات منها. وأبو فراس الحمداني قد أحسن في رومياته، إلا أنها أدخل في باب التحسر منها في باب الملاحم، ونعته لمشاهد الحرب وللوقائع فيها ليس بكثير، ولا يبلغ فيه إحسان أبي الطيب.


(١) رائية البحتري هذه تنظر نظرًا شديدًا إلى لامية جرير التي مطلعها «شغفت بعهد ذكرته المنازل» [ديوانه ٤٣٩] وهي في الحجاج وذكر فيها أسطوله فقال:
سلكت لأهل البر برا فنلتهم ... وفي اليم يأتم السفين الجوافل
ترى كل مرزابٍ تضمن بهوها ... ثمانين ألفًا زايلتها المنازل
جفول ترى المسمار فيها كأنه ... إذا اهتز جذع من سميحة ذابل
تخال جبال الثلج لما ترفعت ... أجلتها والكيد فيهن كامل
ومن هنا أخذ البحتري قوله:
يسوقون أسطولاً كأن سفينه ... سحائب صيف من جهام وممطر
والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>