للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سلك أحمد شوقي قري المتقدمين في نظمه ملاحم العثمانيين في بائيته المطولة:

بسيفك يعلو الحق والحق أغلب

ولكنه رغم صحة ذوقه في اختياره لما اختاره لها من أغراض، لم يوفق في الأداء وما ذلك إلا لأنه لم يكن من رجال الطويل. ولم يتح له الإحسان في أكثر ما نظمه فيه. وإنك لتحس وأنت تقرأ بائيته هذه أن شويًا قد تاه في يهماء لم يكن من خبرائها، وأطاف بربوع ليس يها ميه، ووقع في كثير من الهجنة والركاكة مما كان أخلق به أن ينزه قلمه عنه. ولكن الرجل رحمه الله كان كثيرًا ما يخطئ في تقدير ملكته ولا سيما في باب استعراض الوقائع ونعتها وسردها.

هذا ولا يذهبن بك ما ذكرناه عن الطويل إلى أن هذا البحر اختص بشعر الملاحم دون سواها. فكل ما أوردناه إنما هو للدلالة على أن خفاء الجرس في هذا البحر جعله أكثر الأوزان صلاحية للأوصاف الملحمية الوثيقة الصلة بتراث الماضي وتاريخه.

وحقيقة الطويل أنه بحر الجلالة والنبالة والجد، ولو قلنا إنه بحر العمق لاستغنينا بهذه الكلمة عن غيرها، لأن العمق لا يمكن أن يتصور بدون جد، وبدون نبل وجلالة. وما يتعمق المتعمق إلا وهو جاد، أيًا كان ما تعمق فيه. ولهذا فإنك لا تجد قصائد الطويل الغرر إلا منحوًا بها نحو الفخامة والأبهة من حيث شرف اللفظ وهدوء النفس، واستثارة الخيال، وتخير المعاني. خذ على سبيل المثال قول النابغة الذبياني يتبرأ ما قُذف به عند النعمان (مختارات الشعر الجاهلي ٢٠٤).

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ... وتلك التي تستك منها المسامع

لعمري وما عمري علي بهين ... لقد نطقت بطلاً على الأقارع

أتاك امرؤ مستبطنٌ لي بغضة ... له من عدو مثل ذلك شافع

<<  <  ج: ص:  >  >>