للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعار مضاض وليس بخائفٍ ... من حتفه من خاف مما قيلا

خذلته قوته وقد كافحته ... فاستنصر التسليم والتجديلا

سمع ابن عمته به وبحاله ... فمضى يهرول أمس منك مهولا

وأمر مما فر منه فراره ... وكقتله ألا يموت قتيلا

تلف الذي اتخذ الجراءة خطةً ... وعظ الذي اتخذ الفرار خليلا

ففضل أبا الطيب قائلاً: «وسأحكم بين هاتين القصيدتين، والذي يشهد به الحق، وتتقيه العصبية أذكره، وهو أن معاني أبي الطيب أكثر عددًا وأسد مقصدًا، ألا ترى أن البحتري قد قصر مجموع قصيدتيه على وصف شجاعة الممدوح في تشبيهه بالأسد مرة، وتفضيله عليه أخرى، ولم يأت سوى ذلك. وأما أبو الطيب فإنه أتى بذلك في بيتٍ واحدٍ وهو قوله:

أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المصقولا

ثم إنه تفنن في ذكر الأسد، فوصف صورته وهيأته، ووصف أحواله في انفراده في جنسه وفي هيئة مشيئته واختياله، ووصف خلق بخله مع شجاعته، وشبه الممدوح به في الشجاعة، وفضله عليه بالسخاء. ثم إنه عطف بعد ذلك على ذكر الأنفة والحمية التي بعثت الأسد على قتل نفسه بلقاء الممدوح، وأخرج بذلك في أحسن مخرج وأبرزه في أشرف معنى. وإذا تأمل العارف بهذه الصناعة أبيات الرجلين عرف ببديهة النظر ما أشرت إليه. والبحتري وإن كان أفضل من المتنبي في صوغ الألفاظ وطلاوة السبك، فالمتنبي أفضل منه في الغوص على المعاني» (المثل السائر ٤٩٥ - ٤٩٦).

وعندي أن ابن الأثير قد جار في الحكم على أبي عبادة. نعم أبو عبادة لا يعطينا من صورة الأسد في هوله وزمجرته وقضقضته وتمرده ما يعطينا المتنبي. ولكن المتنبي قصر في المدح، وأعطى ممدوحه النصيب الأخس في المبارزة. وقوله: «أمعفر

<<  <  ج: ص:  >  >>