فلا فزت من مر الليالي براحةٍ ... إذا أنا لم أصبح بشكرك متعبًا
على أن أفواف القوافي ضوامنٌ ... لشكرك ما أبدى دجى الليل كوكبا
ثناءٌ تقصّى الأرض نجدًا وغائرًا ... وسارت به الركبان شرقًا ومغربًا
فهذا هو الشعر الصريح الناصع. وقد أخلص أبو عبادة المدح، كما أجاد الوصف، كل ذلك في لفظ نقي مهذب مصقول، وقد وازن ابن الأثير بين كلمته هذه وبين كلمة أبي الطيب المتنبي التي يقول فيها:
أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المصقولا
وردٌ إذا ورد البحيرة شاربا ... ورد الفرات زئيره والنيلا
متخضبٌ بدم الفوارس لابسٌ ... في غيله من لبدتيه غيلا
ما قوبلت عيناه إلا ظنتا ... تحت الدجى نار الفريق حلولا
في وحدة الرهبان إلا أنه ... لا يعرف التحريم والتحليلا
يطأ الثرى مترفقًا من تيهه ... فكأنه آسٍ يجس عليلا
ويرد عفرته إلى يافوخه ... حتى تصير لرأسه إكليلا
قصرت مخافته الخطا فكأنما .. ركب الكمي جواده مشكولا
ألقى فريسته وزمجر دونها ... وقربت قربًا خاله تطفيلا (١)
فتشابه القربان في إقدامه ... وتخالفا في بذلك المأكولا
أسدٌ يرى عضويه فيك كليهما ... متنا أزل وساعدًا مفتولا
ما زال يجمع نفسه في زوره ... حتى حسبت العرض منه الطولا
ويدق بالصدر الحجار كأنه ... يبغي إلى ما في الحضيض سبيلا
وكأنما غرته عين فادنى ... لا يبصر الخطب الجليل جليلا
أنف الكريم من الدنية تاركٌ ... في عينه العدد الكثير قليلا
(١) الرواية المشهورة: وبربر دونها.